والظاهرّ أنّ ما رواه أبو هريرة وما رواه عِمران بن حصين حديث واحد، سمعه كِلاَهما، واختلفت عبارتهما في حكايته فيكون لفظ عمران بن حصين مبيّناً لفظ أبي هريرة أنّ معنى قوله : قبل أن يستشهدوا دُونَ أن يستشهدوا، أي دون أن يستشهدهم مُشهد، أي أن يحمِلوا شهادة أي يشهدون بما لا يعلمون، وهو الذي عناه المازري بقوله : وحملوا ما في الحديث أي حديث أبي هريرة على ما إذا شهد كاذباً.
فهذا طريق للجمع بين الروايتين، وهي ترجع إلى حمل المجمل على المبيّن.
وقال النووي : تأوّلَه بعض العلماء بأنّ ذم الشهادة قبل أن يُسألها الشاهد هو في الشهادة بحقوق الناس بخلاف ما فيه حق اللَّه قال النووي :" وهذا الجمع هو مذهب أصحابنا" وهذه طريقة ترجع إلى إعمال كل من الحديثين في باب، بتأويل كلّ من الحديثين على غير ظاهره ؛ لئلا يلغَى أحدهما.
قلت : وبنى عليه الشافعية فرعا بردّ الشهادة التي يؤدّيها الشاهد قبل أن يُسألها، ذكره الغزالي في " الوجيز"، والذي نقل ابن مرزوق في " شرح مُختصر خليل عن الوجيز" " الحرص على الشهادة بالمبادرة قبلَ الدعوى لا تقبل، وبعد الدعوى وقبل الاستشهاد وجهان فإن لم تقبل فهل يصير مجروحاً وجهان".
فأما المالكية فقد اختلفَ كلامهم.