وكل هذه الأسباب مَشائن في الدِّين تذهب جماله وتنقص كماله. والله أعلم.
الثالثة : لما أمر الله تعالى بالكتْب والإشهاد وأخذ الرّهان كان ذلك نَصّاً قاطعاً على مراعاة حفظ الأموال وتنميتها، ورداً على الجَهَلة المتصوّفة ورِعَاعها الذين لا يرون ذلك، فيخرجون عن جميع أموالهم ولا يتركون كفاية لأنفسهم وعيالهم ؛ ثم إذا احتاج وافتقر عياله فهو إما أن يتعرّض لِمَنن الإخوان أو لصدقاتهم، أو أن يأخذ من أرباب الدنيا وظلَمَتهم، وهذا الفعل مذموم مَنْهِي عنه.
قال أبو الفرج الجَوْزِيّ : ولست أعجب من المتزهِّدين الذين فعلوا هذا مع قِلَّة علمهم، إنما أتعجّب من أقوام لهم عِلم وعقل كيف حَثّوا على هذا، وأمروا به مع مضادته للشرع والعقل.
فذكر المُحَاسِبيّ في هذا كلاماً كثيراً، وشيّده أبو حامد الطُّوسِيّ ونصره.
والحارث عندي أعذر من أبي حامد ؛ لأن أبا حامد كان أفقه، غير أن دخوله في التصوّف أوجب عليه نصرة ما دخل فيه.
قال المحاسِبي في كلام طويل له : ولقد بلغني أنه : لما توفي عبد الرحمن بن عَوْف قال ناسٌ من أصحاب رسول الله ﷺ : إنما نخاف على عبد الرحمن فيما ترك.
فقال كَعْب : سبحان الله! وما تخافون على عبد الرحمن ؟ كَسَب طَيِّباً وأنفق طيباً وترك طيباً.
فبلغ ذلك أبا ذَرٍّ فخرج مُغضَباً يريد كعباً، فمرّ بلَحْي بعير فأخذه بيده، ثم انطلق يطلب كعباً ؛ فقيل لكعب : إن أبا ذَرٍّ يطلبك.
فخرج هارباً حتى دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر.


الصفحة التالية
Icon