فائدة
قال الجصاص :
قَوْله تَعَالَى :﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا ﴾ فِيهِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ أَحَدًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يُطِيقُهُ، وَلَوْ كَلَّفَ أَحَدًا مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَطِيعُهُ لَكَانَ مُكَلِّفًا لَهُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، أَلَا تَرَى قَوْلَ الْقَائِلِ ( لَيْسَ فِي وُسْعِي كَيْتُ وَكَيْتُ ) بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ ( لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا أُطِيقُهُ ) ؟ بَلْ الْوُسْعُ دُونَ الطَّاقَةِ.
وَلَمْ تَخْتَلِفْ الْأُمَّةُ فِي أَنَّ اللَّهَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَلِّفَ الزَّمِنَ الْمَشْيَ وَالْأَعْمَى الْبَصَرَ وَالْأَقْطَعَ الْيَدَيْنِ الْبَطْشَ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ فِعْلَهُ ؛ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأُمَّةِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّلَاةَ قَائِمًا فَغَيْرُ مُكَلَّفٍ لِلْقِيَامِ فِيهَا، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْهَا قَاعِدًا فَغَيْرُ مُكَلَّفٍ لِلْقُعُودِ بَلْ يُصَلِّيهَا عَلَى جَنْبٍ يُومِئُ إيمَاءً لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهَا إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ؛ وَنَصُّ التَّنْزِيلِ قَدْ أَسْقَطَ التَّكْلِيفَ عَمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْفِعْلِ وَلَا يُطِيقُهُ.
وَزَعَمَ قَوْمٌ جُهَّالٌ نَسَبْت إلَى اللَّهِ فِعْلَ السَّفَهِ وَالْعَبَثِ، فَزَعَمُوا أَنَّ كُلَّ مَا أُمِرَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ أَوْ نُهِيَ عَنْهُ، فَالْمَأْمُورُ بِهِ مِنْهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى فِعْلِهِ وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى تَرْكِهِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٢ صـ ٢٧٧﴾


الصفحة التالية
Icon