فصل


قال الفخر :
المعتزلة عولوا على هذه الآية في أنه تعالى لا يكلف العبد ما لا يطيقه ولا يقدر عليه، ونظيره قوله تعالى :﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى الدين مِنْ حَرَجٍ﴾ [ الحج : ٧٨ ] وقوله ﴿يُرِيدُ الله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ﴾ [ النساء : ٢٨ ] وقوله ﴿يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر﴾ [ البقرة : ١٨٥ ] وقالوا : هذه الآية صريحة في نفي تكليف ما لا يطاق، قالوا : وإذا ثبت هذا فههنا أصلان الأول : أن العبد موجد لأفعال نفسه، فإنه لو كان موجدها هو الله تعالى، لكان تكليف العبد بالفعل تكليفاً بما لا يطاق، فإن الله تعالى إذا خلق الفعل وقع لا محالة ولا قدرة ألبتة للعبد على ذلك الفعل ولا على تركه، أما إنه لا قدرة له على الفعل فلأن ذلك الفعل وجد بقدرة الله تعالى، والموجود لا يوجد ثانياً، وأما إنه لا قدر له على الدفع فلأن قدرته أضعف من قدرة الله تعالى، فكيف تقوى قدرته على دفع قدرة الله تعالى وإذا لم يخلق الله الفعل استحال أن يكون للعبد قدرة على التحصيل، فثبت أنه لو كان الموجد لفعل العبد هو الله تعالى لكان تكليف العبد بالفعل تكليفاً بما لا يطاق والثاني : أن الاستطاعة قبل الفعل وإلا لكان الكافر المأمور بالإيمان لم يكن قادراً على الإيمان، فكان ذلك التكليف بما لا يطاق هذا تمام استدلال المعتزلة في هذا الموضع.
أما الأصحاب فقالوا : دلّت الدلائل العقلية على وقوع التكليف على هذا الوجه، فوجب المصير إلى تأويل هذه الآية.
الحجة الأولى : أن من مات على الكفر ينبىء موته على الكفر أن الله تعالى كان عالماً في الأزل بأنه يموت على الكفر ولا يؤمن قط، فكان العلم بعدم الإيمان موجوداً، والعلم بعدم الإيمان ينافي وجود الإيمان على ما قررناه في مواضع، وهو أيضاً مقدم بينة بنفسها، فكان تكليفه بالإيمان مع حصول العلم بعدم الإيمان تكليفاً بالجمع بين النقيضين، وهذه الحجة كما أنها جارية في العلم، فهي أيضاً جارية في الجبر.


الصفحة التالية
Icon