وهذا التقسيم حاصل من التعليق بواسطة " اللاّم" مرة وبواسطة ( علَى ) أخرى.
وأما كسبت واكتسبت فبمعنى واحد في كلام العرب ؛ لأنّ المطاوعة في اكتسب ليست على بابها، وإنّما عبّر هنا مرة بكَسَبت وأخرى باكتسبت تفنّناً وكراهيةَ إعادة الكلمة بعينها، كما فعل ذو الرمة في قوله :
ومُطعَممِ الصيد هَبَّال لبُغيته
ألفَى أباه بذاك الكَسْب مُكتسِبا...
وقول النابغة :
فحملت بَرّةَ واحتَمَلْتَ فجارِ
وابتدُىء أولاً بالمشهور الكثير، ثم أعيد بمطاوعه، وقد تَكون، في اختيار الفعل الذي أصله دَالٌ على المطاوعة، إشارةٌ إلى أنّ الشرور يأمر بها الشيطان، فتأتمر النفس وتطاوعه وذلك تبْغيض من الله للناس في الذنوب.
واختير الفعل الدال على اختيار النفس للحسنات، إشارة إلى أنّ الله يسوق إليها الناس بالفطرة، ووقع في " الكشاف" أنْ فعل المطاوعة لدلالته على الاعتمال، وكان الشرّ مشتهًى للنفس، فهي تَجِدُّ تحصيله، فعبّر عن فعلها ذلك بالاكتساب.
والمراد بما اكتسبت الشرور، فمن أجل ذلك ظنّ بعض المفسرين أنّ الكسب هو اجتناء الخير، والاكتساب هو اجتناء الشر، وهو خلاف التحقيق ؛ ففي القرآن ﴿ ولا تكسب كلّ نفس إلاّ عليها ﴾ [ الأنعام : ١٦٤ ] ثم قيل للذين ظلموا ﴿ ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلاّ بما كنتم تكسبون ﴾ [ يونس : ٥٢ ] وقد قيل : إنّ اكتسب إذا اجتمع مع كسب خُصّ بالعمل الذي فيه تكلّف.
لكن لم يرد التعبير باكتسبت في جانب فعل الخير.
وفي هذه الآية مأخذ حسن لأبي الحسن الأشعري في تسميته استطاعة العبد كسبا واكتساباً ؛ فإنّ الله وصف نفسه بالقدرة.


الصفحة التالية
Icon