فصل فى مسائل مهمة للعلامة الفخر
قال رحمه الله ما نصه :
المسألة الثانية : المعتزلة احتجوا بهذه الآية على أن فعل العبد بإيجاده وتكوينه، قالوا لأن الآية صريحة في إضافة خيره وشره إليه ولو كان ذلك بتخليق الله تعالى لبطلت هذه الإضافة ويجري صدور أفعاله منه مجرى لونه وطوله وشكله وسائر الأمور التي لا قدرة له عليها ألبتة والكلام فيه معلوم وبالله التوفيق، قال القاضي : لو كان خالقاً أفعالهم فما الفائدة في التكليف، وأما الوجه في أن يسألوه أن لا يثقل عليهم والثقيل على قولهم كالخفيف في أنه تعالى يخلقه فيهم وليس يلحقهم به نصب ولا لغوب.
المسألة الثالثة : احتج أصحابنا بهذه الآية على فساد القول بالمحابطة قالوا : لأنه تعالى أثبت كلا الأمرين على سبيل الجمع، فبيّن أن لها ثواب ما كسبت وعليها عقاب ما اكتسبت، وهذا صريح في أن هذين الاستحقاقين يجتمعان، وأنه لا يلزم من طريان أحدهما زوال الآخر، قال الجبائي : ظاهر الآية وإن دل على الإطلاق إلا أنه مشروط والتقدير : لها ما كسبت من ثواب العمل الصالح إذا لم تبطله، وعليها ما اكتسبت من العقاب إذا لم تكفره بالتوبة، وإنما صرنا إلى إضمار هذا الشرط لما بينا أن الثواب يجب أن يكون منفعة خالصة دائمة وأن العقاب يجب أن يكون مضرة خالصة دائمة، والجمع بينهما محال في العقول، فكان الجمع بين استحقاقيهما أيضاً محالاً.
واعلم أن الكلام على هذه المسألة مرّ على الاستقصاء في تفسير قوله تعالى :﴿لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم بالمن والأذى﴾ [ البقرة : ٢٦٤ ] فلا نعيده.
المسألة الرابعة : احتج كثير من المتكلمين بهذه الآية على أن الله تعالى لا يعذب الأطفال بذنوب آبائهم، ووجه الاستدلال ظاهر فيه، ونظيره قوله تعالى :﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى﴾ [ الأنعام : ١٦٤ ].