فصل
قال الفخر :
في كيفية النظم : إن قلنا إن هذا من كلام المؤمنين فوجه النظم أنهم لما قالوا ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ فكأنهم قالوا : كيف لا نسمع ولا نطيع، وأنه تعالى لا يكلفنا إلا ما في وسعنا وطاقتنا، فإذا كان هو تعالى بحكم الرحمة الإلهية لا يطالبنا إلا بالشيء السهل الهين، فكذلك نحن بحكم العبودية وجب أن نكون سامعين مطيعين، وإن قلنا : إن هذا من كلام الله تعالى فوجه النظم أنهم لما قالوا ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ ثم قالوا بعده ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ دل ذلك على أن قولهم ﴿غُفْرَانَكَ﴾ طلباً للمغفرة فيما يصدر عنهم من وجوه التقصير منهم على سبيل العمد فلما كان قولهم :﴿غُفْرَانَكَ﴾ طلباً للمغفرة في ذلك التقصير، لا جرم خفف الله تعالى عنهم ذلك وقال :﴿لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ والمعنى أنكم إذا سمعتم وأطعتم، وما تعمدتم التقصير، فعند ذلك لو وقع منكم نوع تقصير على سبيل السهو والغفلة فلا تكونوا خائفين منه فإن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وبالجملة فهذا إجابة لهم في دعائهم في قولهم ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا ﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٢١﴾
قال القرطبى :
نصّ الله تعالى على أنه لا يكلف العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلب أو الجوارح إلا وهي في وُسع المكلَّف وفي مقتضى إدراكه وبِنْيَته ؛ وبهذا انكشفت الكُرْبَةَ عن المسلمين في تأوّلهم أمر الخواطر.
وفي معنى هذه الآية ما حكاه أبو هريرة رضي الله عنه قال : ما ودِدت أن أحداً ولدتني أُمّه إلا جعفر بن أبي طالب، فإني تبعته يوماً وأنا جائع فلما بلغ منزله لم يجد فيه سوى نِحْى سَمْن قد بقي فيه أَثَارة فشقّه بين أيدينا، فجعلنا نلعق ما فيه من السمن والرُّبِّ وهو يقول :
ما كلّف اللَّه نفساً فَوْقَ طاقتها...
ولا تَجُود يَدٌ إلاّ بما تَجِدُ. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٤٣٠﴾
فائدة
قال الفخر :