مواساة الأمة، والإحسان، وفضائل الأعمال، وترك البخل، ومذمة الربا وختمت السورة بآيات التفكير في ملكوت الله.
وقد علمت أن سبب نزول هذه السورة قضية وفد نجران من بلاد اليمن. ووفد نجران هم قوم من نجران بلغهم مبعث النبي ﷺ، وكان أهل نجران متدينين بالنصرانية، وهم من أصدق العرب تمسكا بدين المسيح، وفيهم رهبان مشاهير، وقد أقاموا للمسيحية كعبة ببلادهم هي التي أشار إليها الأعشى حين مدحهم بقوله :
فكعبة نجران حتم عليك... حتى تناخي بأبوابها
فاجتمع وفد منهم يرأسه العاقب فيه ستون رجلا وأسمه عبد المسيح، وهو أمير الوفد، ومعه السيد واسمه الأيهم، وهو ثمال القوم وولي تدبير الوفد، ومشيره وذو الرأي فيه، وفيهم أبو حارثة بن علقمة البكري وهو أسقفهم وصاحب مدارسهم وولي دينهم، وفيهم أخو أبي حارثة، ولم يكن من أهل نجران، ولكنه كان ذا رتبة : شرفه ملوك الروم ومولوه. فلقوا النبي ﷺ، وجادلهم في دينهم، وفي شأن إلوهية المسيح، فلما قامت الحجة عليهم أصروا على كفرهم وكابروا، فدعاهم النبي ﷺ إلى المباهلة، فأجابوا ثم استعظموا ذلك، وتخلصوا منه، ورجعوا إلى أوطانهم، ونزلت بضع وثمانون آية من أول هذه السورة في شأنهم كما في سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق. وذكر ذلك الواحدي والفخر، فمن ظن من أهل السير أن وفد نجران وفدوا في سنة تسع فقد وهم وهما انجر إليه من اشتهار سنة تسع بأنها سنة الوفود. والإجماع على أن سورة آل عمران من أوائل المدنيات، وترجيح أنها نزلت في وفد نجران يعينان أن وفد نجران كان قبل سنة الوفود.


الصفحة التالية
Icon