كان للمنافقين - وعلى رأسهم عبد الله بن أبي - مكانتهم في المجتمع، وروابطهم العائلية والقبلية لم تنفصم بعد ; ولم ينضج في نفوس المسلمين الشعور بأن عقيدتهم وحدها هي أسرتهم وهي قبيلتهم وهي وشيجتهم التي لا وشيجة معها. ومن ثم كانت هناك خلخلة في الصف الإسلامي بسبب وجود مثل هذه العناصر مندمجة في الصف، مؤثرة في مقاديره. [ كما يتجلى ذلك في أحداث غزوة أحد عند استعراض النصوص الخاصة بها في السورة ].
وكان لليهود مكانتهم كذلك في المدينة، وارتباطاتهم الاقتصادية والتعهدية مع أهلها. ولم يتبين عداؤهم سافرا. ولم ينضج في نفوس المسلمين كذلك الشعور بأن عقيدتهم وحدها هي العهد وهي الوطن وهي أصل التعامل والتعاقد، وأنه لا بقاء لصلة ولا وشيجة إذا هي تعارضت مع العقيدة ! ومن ثم كانت لليهود فرصة للتوجيه والتشكيك والبلبلة. وكان هناك من يسمع لقولهم في الجماعة المسلمة ويتأثر به. وكان هناك من يدفع عنهم ما يريد النبي ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ أن ينزل بهم من إجراءات لدفع كيدهم عن الصف المسلم [ كما حدث في شفاعة عبد الله بن أبي في بني قينقاع، وإغلاظه في هذا للرسول ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ ].
ومن ناحية أخرى كان المسلمون قد انتصروا في بدر ذلك النصر الكامل الباهر بأيسر الجهد والبذل. فقدخرج ذلك العدد القليل من المسلمين، غير مزودين بعدة ولا عتاد - إلا اليسير - فلاقوا ذلك الجحفل الضخم من قريش في عدتهم وعتادهم. ثم لم تلبث المعركة أن انجلت عن ذلك النصر المؤزر الباهر.
وكان هذا النصر في الوقعة الأولى التي يلتقي فيها جند الله بجند الشرك قدرا من قدر الله. ندرك اليوم طرفا من حكمته. ولعله كان لتثبيت الدعوة الناشئة وتمكينها. بل لإثبات وجودها الفعلي على محك المعركة، لتأخذ بعد ذلك طريقها.