تمحضونهم التوحيد وأن لا تنسبوا للحضرة الإلهية ما لا يليق بها، وأن تنزهوه ولا تعزو شيئا مما في هذا الكون إلا إليه وحده "بِما" بسبب ما "كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ" لغيركم "وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ" (٧٩) على الغير ممن تقدمكم من أهل العلم، لأنهم لم يولوكم إلا على هذا وأن تقرءوا لمن معكم ولأنفسكم ما أنزل اللّه لكم حرفيا، ومن هنا جاءت النسبة لأن الرباني هو المنسوب إلى الرب، وزيادة الألف والنون دلالة على كمال هذه الصفة، ومبالغة لاسم الفاعل الذي هو ربان "وَلا يَأْمُرَكُمْ" أيها البشر "أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً" وهذا تنديد في بني مليح ومن تبعهم والصابئين القائلين إن الملائكة بنات اللّه، واليهود والنصارى القائلين إن عزيرا والمسيح ابنا اللّه "أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ" أيها الناس "بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (٨٠) وهذا استفهام على طريق التعجب والإنكار وفيها من
إلقاء الروعة والمهابة ما فيها لمن كان له قلب أو ألقى السمع.
وفي يأمركم ثلاث لغات : إسكان الراء لعدم توالي الحركات، والنصب بالعطف على يقول، والرفع على الاستئناف المؤيدة بقراءة ولن يأمركم بدل من ولا يأمركم الأولى وهو ما مشيت عليه، لأنه الأظهر لخلوها عن تكلف جعل الأمر بمعنى النهي عند جعل لا غير زائدة عند من يرى ذلك، لأني أرى أن لا زائد في القرآن وأن من يقول نجاء بالحرف الزائد لتحسين الكلام وتقويته وتأكيده يقال له إذا ليس بزائد لأنه أدى معنى لم يكن عند عدمه، وكل ما يجاء به لمعنى فهو غير زائد، ولأن القراءة بالنصب تستدعي صلة لا وجعلها للتأكيد فقط أو جعلها غير زائدة بجعل عدم الأمر في معنى النهي، فيكون معنى أيأمركم ينهاكم، وتستدعي القراءة التقديم على جملة (وَلكِنْ كُونُوا) إلخ تدبر.


الصفحة التالية
Icon