وآخر هذه الآيات عام في جميع الكفرة المرتد منهم وغيره، وهذه آخر ال ٨٩ آية من هذه السورة التي نزلت في وفد نجران ومحاججتهم مع اليهود ومجادلتهم مع حضرة الرسول وما تفرع عن ذلك، ولبعضها أسباب أخرى لصلاحيتها لها، لأن السبب الواحد قد يكون لأغراض كثيرة تنطبق عليها، كما أن بعضها تكون عامة
فيهم وفي غيرهم، لأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
ويفهم من هذه الآيات جواز لعن المرتد والكافر على العموم، وعدم جواز تخصيص أحد منهم باللعن إلا إذا تحقق موته على الكفر.
وأن العمل الصالح شرط لقبول التوبة ممن يتوب من كفره، وأنها تمحو ذنوب التائب إذا خلصت نيته، ثم بين تعالى أن من لم يتب توبة خالصة ورجع إلى كفره فسيغلق اللّه في وجهه باب التوبة بقوله "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا" بسيدنا عيسى "بَعْدَ إِيمانِهِمْ" بسيدنا موسى وما أنزل عليهما من الإنجيل والتوراة "ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً" بجحودهم رسالة محمد وما أنزل عليه من القرآن "لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ" (٩٠) الذين لا سبيل إلى هدايتهم، لأن اللّه تعالى إنما قبل توبة المرتد والكافر على أن يطهر دخيلة قلبه بالأعمال الصالحة التي يستدل بها الناس على صحة إيمانه وقبول توبته فلا تقبل توبته، ولهذا أجمعت الأمة على أن المرتد يمهل ثلاثة أيام فإن أصر على كفره قتل وإلا فلا، أما الكافر الذي نشأ على الكفر فقد جعل اللّه أمامه باب التوبة مفتوحا، ووعده بغفران ما كان منه حال كفره إذا أسلم.