ولما كان الإحكام في غاية البيان فكان في تكامله ورد بعض معانيه إلى بعض كالشيء الواحد، وكان رد المتشابه إليه في غايه السهولة لمن رسخ إيمانه وصح قصده واتسع علمه ليصير الكل شيئاً واحداً أخبر عن الجمع بالمفرد فقال :﴿هن أم الكتاب﴾ والأم الأمر الجامع الذي يؤم أي يقصد، وقال الحرالي : هي الأصل المقتبس منه الشيء في الروحانيات والنابت منه أو فيه في الجسمانيات ﴿وأخر﴾ أي منه ﴿متشابهات﴾ قال الحرالي : والتشابه تراد التشبه في ظاهر أمرين لشبه كل واحد منهما بالآخر بحيث يخفى خصوص كل واحد منهما ؛ ثم قال : وهن الآي التي أخبر الحق سبحانه وتعالى فيهن عن نفسه وتنزلات تجلياته ووجوه إعانته لخلقه وتوفيقه وإجرائه ما أجرى من اقتداره وقدرته في بادئ ما أجراه عليهم، فهن لذلك متشبهات من حيث إن نبأ الحق عن نفسه لا تناله عقول الخلق، ولا تدركه أبصارهم، وتعرف لهم فيما تعرف بمثل أنفسهم، فكأن المحكم للعمل والمتشابه لظهور العجز، فكان لذلك حرف المحكم أثبت الحروف عملاً، وحرف المتشابه أثبت الحروف إيماناً، واجتمعت على إقامته الكتب الثلاث، واختلفت في الأربع اختلافاً كثيراً فاختلف حلالها وحرامها وأمرها ونهيها، واتفق على محكمها ومتشابهها انتهى.


الصفحة التالية
Icon