ثم وجدت في أوائل إنجيل يوحنا أن الرب تأويله العلم، ولو ردوا أيضاً الأب والابن إلى هذا المحكم وأمثاله وهي كثيرة في جميع أناجيلهم لعلموا بلا شبهة أن معناه أن الله سبحانه وتعالى يفعل معه ما يفعل الوالد مع ولده من الترية والحياطة والنصرة والتعظيم والإجلال، كما لزمهم حتماً أن يأولوا قوله فيما قدمته : أبانا الذي في السماوات، وقوله في إنجيل متى لتلاميذه : هكذا فليضىء نوركم قدام الناس ليروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السماوات، وقال : وأحسنوا إلى من أبغضكم، وصلوا على من يطردكم ويخزيكم لكيما تكونوا بني أبيكم الذي في السماوات، لأنه المشرق شمسه على الأخيار والأشرار، والممطر على الصديقين والظالمين، انظروا! لا تصنعوا أمراً حكم قدام الناس لكي يروكم، فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات، وإذا صنعت رحمة فلا تضرب قدامك بالبوق، ولا تصنع كما يصنع المراؤون في المجامع وفي الأسواق لكي يمجدوا من الناس، الحق أقول لكم! لقد أخذوا أجرهم ؛ وأنت إذا صنعت رحمة لا تعلم شمالك ما صنعته يمينك، لتكون صدقة في خفية، وأبوك الذي يرى الخفية يعطيك على نية ؛ وقل في الفصل العاشر منه : وصل لأبيك سراً، وأبوك يرى السر فيعطيك علانية.
وهكذا في جميع آيات الأحكام من الإنجيل كرر لهم هذه اللفظة تكريراً كثيراً، فكما تأول لها النصارى بأن المراد منها تعظيمهم له أشد من تعظيمهم لآبائهم ليعتني بهم أكثر من اعتناء الوالد بالولد فكذلك يأولون ما في إنجيل لوقا وغيره أن أم عيسى وإخواته أتوا اليه فلم يقدروا لكثره الجمع على الوصول إليه فقالوا له أملك وإخواتك خارجاً يريدون أن ينظروا إليك، فأجاب : أمي وأخوتي الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها ؛ فكذلك يلزمهم تأويلها في حق عيسى عليه الصلاة والسلام لذلك ليرد المتشابه إلى المحكم.


الصفحة التالية
Icon