والقول الثاني : من ابتداء السورة إلى آية المُباهلة في النَّصارى، وهو قول محمد بن إسحاق قال : قدم على رسول الله ﷺ وفد نجران ستون راكباً فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، وثلاثة منهم كانوا أكابر القوم، أحدهم : أميرهم، واسمه عبد المسيح، والثاني : مشيرهم وذو رأيهم، وكانوا يقولون له : السيد، واسمه الأيهم، والثالث : حبرهم وأسقفهم وصاحب مدراسهم، يقال له أبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل، وملوك الروم كانوا شرفوه ومولوه وأكرموه لما بلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم، فلما قدموا من بحران ركب أبو حارثة بغلته، وكان إلى جنبه أخوه كرز بن علقمة، فبينا بغلة أبي حارثة تسير إذ عثرت، فقال كرز أخوه : تعس الأبعد يريد رسول الله ﷺ، فقال أبو حارثة : بل تعست أمك، فقال : ولم يا أخي ؟ فقال : إنه والله النبي الذي كنا ننتظره، فقال له أخوه كرز : فما يمنعك منه وأنت تعلم هذا، قال : لأن هؤلاء الملوك أعطونا أموالاً كثيرة وأكرمونا، فلو آمنا بمحمد ﷺ لأخذوا منا كل هذه الأشياء، فوقع ذلك في قلب أخيه كرز، وكان يضمره إلى أن أسلم فكان يحدث بذلك، ثم تكلم أولئك الثلاثة : الأمير، والسيد والحبر، مع رسول الله ﷺ على اختلاف من أديانهم، فتارة يقولون عيسى هو الله، وتارة يقولون : هو ابن الله، وتارة يقولون : ثالث ثلاثة، ويحتجون لقولهم : هو الله، بأنه كان يحيي الموتى، ويبرىء الأكمه والأبرص، ويبرىء الأسقام، ويخبر بالغيوب، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيطير، ويحتجون في قولهم : إنه ولد الله بأنه لم يكن له أب يعلم، ويحتجون على ثالث ثلاثة بقول الله تعالى : فعلنا وجعلنا، ولو كان واحداً لقال فعلت فقال لهم رسول الله ﷺ : أسلموا، فقالوا : قد أسلمنا، فقال ﷺ كذبتم كيف يصح إسلامكم وأنتم