ثم إن الله تعالى أمر محمداً ﷺ بملاعنتهم إذ ردوا عليه ذلك، فدعاهم رسول الله إلى الملاعنة، فقالوا : يا أبا القاسم دعنا ننظر في أمرنا، ثم نأتيك بما تريد أن نفعل، فانصرفوا ثم قال بعض أولئك الثلاثة لبعض : ما ترى ؟ فقال : والله يا معشر النصارى لقد عرفتم أن محمداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لاعن قوم نبياً قط إلا وفى كبيرهم وصغيرهم، وأنه الاستئصال منكم إن فعلتم، وأنتم قد أبيتم إلا دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله ﷺ فقالوا : يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نتركك على دينك، ونرجع نحن على ديننا، فابعث رجلاً من أصحابك معنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضا، فقال عليه السلام : آتوني العشية أبعث معكم الحكم القوي الأمين وكان عمر يقول : ما أحببت الإمارة قط إلا يومئذ رجاء أن أكون صاحبها، فلما صلينا مع رسول الله ﷺ الظهر سلم ثم نظر عن يمينه وعن يساره، وجعلت أتطاول له ليراني، فلم يزل يردد بصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح، فدعاه فقال : اخرج معهم واقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه، قال عمر : فذهب بها أبو عبيدة.
واعلم أن هذه الرواية دالة على أن المناظرة في تقرير الدين وإزالة الشبهات حرفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأن مذهب الحشوية في إنكار البحث والنظر باطل قطعاً، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٣٤ ـ ١٣٥﴾
فصل
قال القرطبى :
للعلماء في تسمية "البقرة وآل عمران" بالَّزهرَاوَيْن ثلاثة أقوال :
الأول : أنهما النّيِّرتان، مأخوذ من الزّهْر والزُّهْرَةِ ؛ فإمّا لهدايتهما قارئهما بما يزهر له من أنوارهما، أي من معانيهما.
وإما لِما يترتب على قراءتهما من النور التامّ يوم القيامة، وهو القول الثاني.