وأصل النجل استخراج خلاصه الشيء، ومنه يقال للولد : نجل أبيه.
كان الإنجيل استخلص خلاصه نور التوراة فأظهر باطن ما شرع في التوراة ظاهرة، فإن التوراة كتاب إحاطة لأمر الظاهر الذي يحيط بالأعمال وإصلاح أمر الدنيا وحصول الفوز من عاقبة يوم الأخرى فهو جامع إحاطة الظواهر،
وكل آية ظاهرة فمن كتاب التوراة والإنجيل كتاب إحاطة لأمر البواطن يحيط بالأمور النفسانية التي بها يقع لمح موجود الآخرة مع الإعراض عن إصلاح الدنيا بل مع هدمها، فكان الإنجيل مقيماً لأمر الآخرة هادماً لأمر الدنيا مع حصوله أدنى بلغة، وكانت التوراة مقيمة لإصلاح الدنيا مع تحصيل الفوز في الآخرة، فجمع هذان الكتابان إحاطتي الظاهر والباطن، فكان منزل التوراة من مقتضى اسمه الظاهر، وكان منزل الإنجيل من مقتضى اسمه الباطن،
كما كان منزل الكتاب الجامع من مقتضى ما في أول هذه السورة من أسمائه العظيمة مع لحظ التوحيد ليعتبر الكتاب والسورة بما نبه بتنزيله من اسمه الله وسائر أسمائه على وجوه إحاطاتها انتهى وفيه تصرف ؛ فأحاط هذا الكتاب إحاطة ظاهرة بأمري الظاهر والباطن بما أذن منه تصديقه للكتابين، وخصهما سبحانه وتعالى بالتنويه بذكرهما إعلاماً بعلي قدرهما. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٧ ـ ٩﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن الكتاب ههنا هو القرآن، وقد ذكرنا في أول سورة البقرة اشتقاقه، وإنما خص القرآن بالتنزيل، والتوراة والإنجيل بالإنزال، لأن التنزيل للتكثير، والله تعالى نزل القرآن نجما نجما، فكان معنى التكثير حاصلاً فيه، وأما التوراة والإنجيل فإنه تعالى أنزلهما دفعة واحدة، فلهذا خصهما بالإنزال، ولقائل أن يقول : هذا يشكل بقوله تعالى :﴿الحمد لِلَّهِ الذى أَنْزَلَ على عَبْدِهِ الكتاب﴾ [ الكهف : ١ ] وبقوله ﴿وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ﴾ [ الإسراء : ١٠٥ ].
واعلم أنه تعالى وصف القرآن المنزّل بوصفين :