" فصل "
قال السيوطى :
سورة آل عمران
قد تقدم ما يؤخذ منه مناسبة وضعها قال الإمام: لما كانت هذه السورة قرينة سورة البقرة، وكالملكة لها، افتتحت بتقرير ما افتتحت به تلك، وصرح في منطوق مطلعها بما طوى في مفهوم تلك وأقول: قد ظهر لي بحمد الله وجوه من المناسبات أحدها: مراعاة القاعدة التي قررتها، من شرح كل سورة لإجمال ما في السورة قبلها، وذلك هنا في عدة مواضع منها: ما أشار إليه الإمام، فإن أول البقرة افتتح بوصف الكتاب بأنه لا ريب فيه وقال في آل عمران: (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بينَ يديه): وذاك بسط وإطناب، لنفي الريب عنه ومنها: أنه ذكر في البقرة إنزال الكتاب مجملاً، وقسمه هنا إلى آيات محكمات، ومتشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله ومنها: أنه قال في البقرة: (واللَهُ يؤتي ملكه من يشاء) وقال هنا: (قُل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) فزاد إطناباً وتفصيلاً ومنها: أنه حذر من الربا في البقرة، ولم يزد على لفظ الربا إيجازاً وزاد هنا قول (أضعافاً مضاعفة) وذلك بيان وبسط ومنها: أنه قال في البقرة: (وأَتموا الحج) وذلك إنما يدل على الوجوب إجمالاً وفصله هنا بقوله: (وللهِ على الناس حج البيت) وزاد: بيان شرط الوجوب بقوله: ( ومَن كفرَ فإِن اللَهَ غنيٌ عَن العالمين) ومنها: أنه قال في البقرة في أهل الكتاب: (ثم توليتم إلا قليلاً منكم) فأجمل القليل وفصله هنا بقوله: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون ومنها: أنه قال في البقرة: (قُل أَتحاجونا في الله وهوَ رَبَنا وربُكُم ولنا أَعمالنا ولكُم أَعمالكم ونحن له مخلصون) فدل بها على تفضيل هذه الأمة على اليهود تعريضاً لا تصريحاً وكذلك قوله: (وكذلِكَ جعلناكُم أُمةٌ وسطاً) في تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم بلفظ فيه يسير إبهام، وأتى في هذه بصريح البيان فقال: (كنتُم خيرَ أُمةٌ