قال الحرالي : فكان الفرقان جامعاً لمنزل ظاهر التوراة ومنزل باطن الإنجيل جمعاً يبدي ما وراء منزلهما بحكم استناده للتقوى التي هي تهيؤ لتنزل الكتاب ﴿إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا﴾ [ الانفال : ٢٩ ] فكان الفرقان أقرب الكتب للكتاب الجامع، فصار التنزيل في ثلاث رتب : رتبة الكتاب المنزل بالحق الجامع، ثم رتبة الفرقان المظهر لمحل الجمع بين الظاهر والباطن، ثم منزل التوراة والإنجيل المختفي فيه موضع ظاهر التوراة بباطن الإنجيل انتهى.
ومناسبة ابتدائها بالتوحيد لما في أثنائها أنه لما خلق عيسى عليه الصلاة والسلام من أنثى فقط وهي أدنى أسباب النماء كان وجوده إشارة إلى أن الزيادة قد انتهت، وأن الخلق أخذ في النقصان، وهذا العالم أشرف على الزوال،
فلم يأت بعده من قومه نبي بل كان خاتم أنبياء بني إسرائيل، وكان هذا النبي الذي أتى بعده من غير قومه خاتم الأنبياء مطلقاً، وكان مبعوثاً مع نفس الساعة،
وكان نزوله هو آخر الزمان علماً على الساعة،
وصدرت هذه السورة التي نزل كثير منها بسببه بالوحدانية إشارة إلى أن الوارث قد دنا زمان إرثه، وأن يكون ولا شيء معه كما كان، وأن الحين الذي يتمحض فيه تفرد الواحد قد حان، والآن الذي يقول فيه سبحانه له الملك اليوم قد آن ؛ ويوضح ذلك أنه لما كان آدم عليه الصلاه والسلام مخلوقاً من التراب الذي هو أمتن أسباب النماء،
وهو غالب على كل ما جاوره، وكانت الأنثى مخلوقة من آدم الذي هو الذكر وهو أقوى سببي التناسل كان ذلك إشارة إلى كثرة الخلائق ونمائهم وازديادهم،