ولما علم بذلك أمر القيوم سبحانه وتعالى بالحق وهو الإيمان علم أن لمخالفي أمره من أضداد المؤمنين الموصوفين وهم الكفرة المدعو بخذلانهم المنزل الفرقان لمحو أديانهم الويل والثبور، فاتصل بذلك بقوله :﴿إن الذين كفروا﴾ أي غطوا ما دلتهم عليه الفطرة الأولى التي فطرهم الله سبحانه وتعالى عليها، ثم ما بينت لهم الرسل عليهم الصلاة والسلام عنه سبحانه وتعالى من البيان الذي لا لبس معه ﴿بآيات الله﴾ المستجمع لصفات الكمال إقبالاً منهم على ما ليس له أصلاً صفة كمال، وهذا الكفر كما قال الحرالي دون الكفر بأسماء الله الذي هو دون الكفر بالله، قال : فكما بدأ خطاب التنزيل من أعلاه نظم به ابتداء الكفر من أدناه انتهى.
﴿لهم عذاب شديد﴾ كما تقتضيه صفتا العزة والنقمة، وفي وصفه بالشدة إيذان بأن من كفر دون هذا الكفر كان له مطلق عذاب.
قال الحرالي : ففي إشعاره أن لمن داخله كفر ما حط بحسب خفاء ذلك الكفر، فأفصح الخطاب بالأشد وألاح بالأضعف انتهى.
والآية على تقدير سؤال ممن كأنه قال : ماذا يفعل بمن أعرض عن الكتب الموصوفة ؟ أو يقال : إنه لما قال :﴿وأنزل الفرقان﴾ [ آل عمران : ٤ ] أي الفارق بين الحق والباطل من الآيات والأحكام عليك وعلى غيرك من الأنبياء لم يبق لأحد شبهة فقال : وأحسن من ذلك كله أنه سبحانه وتعالى ولما أنزل سورة البقرة على طولها في بيان أن الكتاب هدى للمتقين، وبين أن أول هذه وحدانيته وحياته وقيوميته الدالة على تمام العلم وشمول القدرة، فأنتج ذلك صدق ما أخبر به سبحانه وتعالى، أيد ذلك بالإعلام بأن ذلك الكتاب مع أنه هاد اليه حق، ودل على ذلك لمصادقته لما قبله من الكتب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٩ ـ ١١﴾

فصل


قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿مِن قَبْلُ هُدًى لّلنَّاسِ﴾.


الصفحة التالية