أما قوله تعالى :﴿بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا﴾ أي بعد أن جعلتنا مهتدين، وهذا أيضاً صريح في أن حصول الهداية في القلب بتخليق الله تعالى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٥٥ ـ ١٥٧﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ في الكلام حذف تقديره يقولون.
وهذا حكاية عن الراسخين.
ويجوز أن يكون المعنى قل يا محمد، ويقال : إزاغة القلب فسادٌ ومَيْل عن الدِّين، أفكانوا يخافون وقد هُدُوا أن ينقلهم الله إلى الفساد ؟ فالجواب أن يكونوا سألوا إذ هداهم الله ألاّ يبتليهم بما يثقُل عليهم من الأعمال فَيَعْجِزوا عنه ؛ نحو ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقتلوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دِيَارِكُمْ﴾ [ النساء : ٦٦ ] قال ابن كيسان : سألوا ألا يَزِيغوا فيُزِيغ الله قلوبهم ؛ نحو ﴿فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ﴾ [ الصف : ٥ ] أي ثبِّتنا على هدايتك إذ هديتنا وألا نَزيغ فنستحق أن تُزيغ قلوبنا.
وقيل : هو منقطع مما قبلُ ؛ وذلك أنه تعالى لما ذكر أهل الزيغ عقب ذلك بأن علم عباده الدعاء إليه في ألا يكونوا من الطائفة الذميمة التي ذُكِرت وهي أهل الزّيْغ.
وفي ( الموطأ ) عن أبي عبد الله الصنابِحِيّ أنه قال : قدِمتُ المدينة في خلافة أبي بكر الصديق فصليتُ وراءه المغرب، فقرأ في الركعتين الأُوليين بأُمّ القرآن وسورة من قصار المُفَصَّل، ثم قام في الثالثة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتكاد تمس ثيابه، فسمعته يقرأ بأُمّ القرآن وهذه الآية ﴿رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا﴾ الآية.
قال العلماء : قراءته بهذه الآية ضرْبٌ من القُنوتْ والدعاء لما كان فيه من أمر أهل الردّة.
والقنوت جائز في المغرب عند جماعة من أهل العلم، وفي كل صلاة أيضاً إذا دهِم المسلمين أمرٌ عظيم يُفزعهم ويخافون منه على أنفسهم.