﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ ﴾
[الأنفال : ٣٨].
إن القياس أن يقول : إن تنتهوا يغفر لكم ما قد سلف، لكن الحق قال :﴿ إِن يَنتَهُواْ ﴾، فكأن الله حينما قال كان الكفار غير حاضرين للخطاب ورسول الله هو الحاضر للخطاب، والله يتكلم عن غائبين.
ولكن الله ـ سبحانه ـ في هذه الآية التي نحن بصددها يحمل الرسول تمام البلاغ فمرة يكون النقل من الآمر الأول كما صدر منه سبحانه كقوله :﴿ إِن يَنتَهُواْ ﴾ ومرة يأمره الآمر الأول أن يبلغ الكلمة التي يكون بها مخاطبا أي لا تقل : سيغلبون وقل :﴿ سَتُغْلَبُونَ ﴾ لأنك أنت الذي ستخاطبهم. وهذه الدقة الأدائية لا يمكن إلا أن تكون من قادر حكيم.
إنه بلاغ إلى كفار قريش أو إلى مطلق الذين كفروا. والغلب سيكون في الدنيا، والحشر يكون في الآخرة.
فإذا ما كان رسول الله ﷺ ينقل النص القرآني ﴿ سَتُغْلَبُونَ ﴾ فمتى قالها رسول الله ؟ لقد قالها والمسلمون قلة لا يستطيعون حماية أنفسهم، ولا يقدرون على شيء.
وكل مؤمن يحيا في كنف آخر، أو يهاجر إلى مكان بعيد. فهل يمكن أن يأتي هذا البلاغ إلا ممن يملك مطلق الأسباب ؟
لقد قالها الرسول مبلغا عن الله، والمسلمون في حالة من الضعف واضحة ومادام قد قالها، فهي حجة عليه، لأنّ مَن أبلغه إياها وهو الله قادر على أن يفعلها. ﴿ قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ ﴾ ليس العقاب في الدنيا فقط، ولكن في الآخرة أيضا ﴿ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ هذه المسألة بشارة لرسول الله ولأصحابه وإنذار للكافرين به، ويتم تحقيقها في موقعة بدر. فسيدنا عمر بن الخطاب لما نزل قول الله :
﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾
[القمر : ٤٥].


الصفحة التالية
Icon