وسادسها : أن يحصل في القيامة سهولة العقاب والخطاب وغفران السيئات وترجيح الحسنات فقوله ﴿مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً﴾ يتناول جميع هذه الأقسام، ولما ثبت بالبراهين الباهرة القاهرة أنه لا رحيم إلا هو، ولا كريم إلا هو، لا جرم أكد ذلك بقوله ﴿مِن لَّدُنْكَ﴾ تنبيهاً للعقل والقلب والروح على أن المقصود لا يحصل إلا منه سبحانه، ولما كان هذا المطلوب في غاية العظمة بالنسبة إلى العبد لا جرم ذكرها على سبيل التنكير، كأنه يقول : أطلب رحمة وأية رحمة، أطلب رحمة من لدنك، وتليق بك، وذلك يوجب غاية العظمة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٥٧ ـ ١٥٨﴾
وقال ابن عاشور :
وقوله ﴿وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ طلبوا أثر الدوام على الهدى وهو الرحمة، في الدنيا والآخرة، ومنع دواعي الزيغ والشر. وجعلت الرحمة من عند الله لأن تيسير أسبابها، وتكوين مهيئاتها، بتقدير الله ؛ إذ لو شاء الله لكان الإنسان معرضا لنزول المصائب والشرور في كل لمحة ؛ فإنه محفوف بموجودات كثيرة، حية وغير حية، هو تلقائها في غاية الضعف، لولا لطف الله به إيقاظ عقله لاتقاء الحوادث، وبإرشاده لاجتناب أفعال الشرور المهلكة، وبإلهامه إلى ما فيه نفعه، وبجعل تلك القوى الغالبة له قوى عمياء لا تهتدي سبيلا إلى قصده، ولا تصادفه إلا على سبيل الندور ولهذا قال تعالى ﴿اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ [الشورى : ١٩] ومن أجلى مظاهر اللطف أحوال الاضطرار والالتجاء وقد كنت قلت كلمة اللطف عند الاضطرار. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٣٠﴾