قرأ نافع وأبان عن عاصم ﴿تَرَوْنَهُمْ﴾ بالتاء المنقطة من فوق، والباقون بالياء فمن قرأ بالتاء فلأن ما قبله خطاب لليهود، والمعنى ترون أيها اليهود المسلمين مثل ما كانوا، أو مثلي الفئة الكافرة، أو تكون الآية خطاباً مع مشركي قريش والمعنى : ترون يا مشركي قريش المسلمون مثلي فئتكم الكافرة، ومن قرأ بالياء فللمغالبة التي جاءت بعد الخطاب، وهو قوله ﴿فِئَةٌ تقاتل فِى سَبِيلِ الله وأخرى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ﴾ فقوله ﴿يَرَوْنَهُمْ﴾ يعود إلى الإخبار عن إحدى الفئتين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٦٦﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أنه قد تقدم في هذه الآية ذكر الفئة الكافرة وذكر الفئة المسلمة فقوله ﴿يرونهم مثليهم﴾ يحتمل أن يكون الراؤن هم الفئة الكافرة، والمرئيون هم الفئة المسلمة، ويحتمل أن يكون بالعكس من ذلك فهذان احتمالان، وأيضاً فقوله ﴿مّثْلَيْهِمْ﴾ يحتمل أن يكون المراد مثلي الرائين وأن يكون المراد مثلي المرئين فإذن هذه الآية تحتمل وجوهاً أربعة الأول : أن يكون المراد أن الفئة الكافرة رأت المسلمين مثلي عدد المشركين قريباً من ألفين.
والاحتمال الثاني : أن الفئة الكافرة رأت المسلمين مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفاً وعشرين، والحكمة في ذلك أنه تعالى كثر المسلمين في أعين المشركين مع قلتهم ليهابوهم فيحترزوا عن قتالهم.
فإن قيل : هذا متناقض لقوله تعالى في سورة الأنفال ﴿وَيُقَلّلُكُمْ فِى أَعْيُنِهِمْ﴾ [ الأنفال : ٤٤ ].
فالجواب : أنه كان التقليل والتكثير في حالين مختلفين، فقللوا أولاً في أعينهم حتى اجترؤا عليهم، فلما تلاقوا كثرهم الله في أعينهم حتى صاروا معلوبين، ثم إن تقليلهم في أول الأمر، وتكثيرهم في آخر الأمر، أبلغ في القدرة وإظهار الآية.


الصفحة التالية
Icon