وقد كان يلزم من قرأ بالتاء أن يقرأ مثليكم بالكاف، وذلك لا يجوز لمخالفة الخط ؛ ولكن جرى الكلام على الخروج من الخطاب إلى الغيبة ؛ كقوله تعالى :﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ [ يونس : ٢٢ ]، وقوله تعالى :﴿وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ﴾ [ الروم : ٣٩ ] فخاطب ثم قال :﴿فأولئك هُمُ المضعفون﴾ [ الروم : ٣٩ ] فرجع إلى الغيبة.
فالهاء والميم في ﴿مِثْلَيْهِم﴾ يحتمل أن يكون للمشركين، أي ترون أيها المسلمون المشركين مثليْ ما هم عليه من العدد ؛ وهو بعيد في المعنى ؛ لأن الله تعالى لم يُكْثر المشركين في أعين المسلمين بل أعلمنا أنه قلَّلَهم في أعين المؤمنين، فيكون المعنى ترون أيها المؤمنون المشركين مِثليْكم في العدد وقد كانوا ثلاثة أمثالهم، فقلَّلَ الله المشركين في أعين المسلمين فأراهم إياهم مِثَليْ عِدّتهم لتقوى أنفُسهم ويقع التجاسُر، وقد كانوا أُعلِموا أنّ المائة منهم تغلب المائتين من الكفار، وقلّل المسلمين في أعين المشركين ليجْتَرئوا عليهم فينْفُذ حكم الله فيهم.
ويحتمل أن يكون الضمير في ﴿مِثليْهِم﴾ للمسلمين، أي ترون أيها المسلمون المسلمين مِثليْ ما أنتم عليه من العدد، أي ترون أنفسكم مثليْ عددكم ؛ فعل الله ذلك بهم لتقوى أنفسهم على لقاء المشركين.
والتأويل الأوّل أولى ؛ يدل عليه قوله تعالى :﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ الله فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً﴾ [ الأنفال : ٤٣ ] وقوله :﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ التقيتم في أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً﴾ [ الأنفال : ٤٤ ].
وروى عن ابن مسعود أنه قال : قلت لرجل إلى جنبي : أتراهم سبعين ؟ قال : أظنهم مائة.
فلما أخذنا الأسارى أخبرونا أنهم كانوا ألفاً.
وحكى الطبريّ عن قوم أنهم قالوا : بل كثر الله عدد المؤمنين في عيون الكافرين حتى كانوا عندهم ضِعفيْهم.
وضعَّف الطبري هذا القول.
قال ابن عطية : وكذلك هو مردود من جهات.


الصفحة التالية