وقال ابن كثير :
وقوله :﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾
قال بعض العلماء -فيما حكاه ابن جرير : يرى المشركون يوم بدر المسلمين مثليهم في العدد رأي أعينهم، أي : جعل الله ذلك فيما رأوه سببًا لنصرة الإسلام عليهم. وهذا لا إشكال عليه إلا من جهة واحدة، وهي أن المشركين بعثوا عمر بن سعد يومئذ قبل القتال يحزر لهم المسلمين، فأخبرهم بأنهم ثلاثمائة، يزيدون قليلا أو ينقصون قليلا. وهكذا كان الأمر، كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ثم لما وقع القتال أمدّهم الله بألف من خواص الملائكة وساداتهم.
والقول الثاني :" أن المعنى في قوله :﴿يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ﴾ أي : ترى الفئة المسلمة الفئة الكافرة مثليهم، أي : ضعفيهم في العدد، ومع هذا نصرهم الله عليهم. وهذا لا إشكال فيه على ما رواه العوفي، عن ابن عباس أن المؤمنين كانوا يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا والمشركين كانوا ستمائة وستة وعشرين رجلا. وكأن هذا القول مأخوذ من ظاهر هذه الآية، ولكنه خلاف المشهور عند أهل التواريخ والسير وأيام الناس، وخلاف المعروف عند الجمهور من أن المشركين كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف كما رواه محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، أن رسول الله ﷺ لما سأل ذلك العبد الأسود لبني الحجاج عن عدّة قريش، فقال : كثير، قال :"كم ينحرون كل يوم ؟ " قال : يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال النبي ﷺ :"القوم ما بين التسعمائة إلى الألف".
وروى أبو إسحاق السَّبِيعي، عن حارثة، عن علي، قال : كانوا ألفًا، وكذا قال ابن مسعود. والمشهور أنهم كانوا ما بين التسعمائة إلى الألف، وعلى كل تقدير فقد كانوا ثلاثة أمثال المسلمين، وعلى هذا فيشكل هذا القول والله أعلم. لكن وجه ابن جرير هذا، وجعله صحيحًا كما تقول : عندي ألف وأنا محتاج إلى مثليها، وتكون محتاجًا إلى ثلاثة آلاف، كذا قال. وعلى هذا فلا إشكال.


الصفحة التالية
Icon