وقال أبو حيان :
﴿وهب لنا من لدنك رحمة﴾ سألوا بلفظ الهبة المشعرة بالتفضل والإحسان إليهم من غير سبب ولا عمل ولا معاوضة، لأن الهبة كذلك تكون، وخصوها بأنها من عنده، والرحمة إن كانت من صفات الذات فلا يمكن فيها الهبة، بل يكون المعنى : نعيماً، أو ثواباً صادراً عن الرحمة.
ولما كان المسؤول صادراً عن الرحمة، صح أن يسألوا الرحمة إجراءً للسبب مجرى المسبب وقيل : معنى رحمة توفيقاً وسداداً وتثبيتاً لما نحن عليه من الإيمان والهدى. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٤٠٣﴾
قوله تعالى :﴿إِنَّكَ أَنتَ الوهاب﴾
قال الفخر :
﴿إِنَّكَ أَنتَ الوهاب﴾ كأن العبد يقول : إلهي هذا الذي طلبته منك في هذا الدعاء عظيم بالنسبة إلي، لكنه حقير بالنسبة إلى كمال كرمك، وغاية جودك ورحمتك، فأنت الوهاب الذي من هبتك حصلت حقائق الأشياء وذواتها وماهياتها ووجوداتها فكل ما سواك فمن جودك وإحسانك وكرمك، يا دائم المعروف، يا قديم الإحسان، لا تخيب رجاء هذا المسكين، ولا ترد دعاءه، واجعله بفضلك أهلاً لرحمتك يا أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٥٨﴾
وقال أبو السعود :
﴿إِنَّكَ أَنتَ الوهاب﴾ تعليل للسؤال أو لإعطاء المسؤولِ وأنت إما مبتدأٌ أو فصلٌ أو تأكيدٌ لاسم إنّ وإطلاقُ الوهاب ليتناول كلَّ موهوب، وفيه دِلالة على أن الهدى والضلال من قِبله تعالى وأنه متفضّلٌ بما يُنعم به على عباده من غير أن يجب عليه شيء. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٢ صـ ٩﴾
وقال ابن عاشور :
والقصر في قوله ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ﴾ للمبالغة، لأجل كمال الصفة فيه تعالى ؛ لأن هبات الناس بالنسبة لما أفاض الله من الخيرات شيء لا يعبأ به. وفي هذه الجملة تأكيد بأن، وبالجملة الاسمية، وبطريق القصر. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٣٠﴾


الصفحة التالية