وقال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿لّلَّذِينَ اتقوا﴾ فقد بينا في تفسير قوله تعالى :﴿هُدًى لّلْمُتَّقِينَ﴾ [ البقرة : ٢ ] أن التقوى ما هي وبالجملة، فإن الإنسان لا يكون متقياً إلا إذا كان آتياً بالواجبات، متحرزاً عن المحظورات، وقال بعض أصحابنا : التقوى عبارة عن اتقاء الشرك، وذلك لأن التقوى صارت في عرف القرآن مختصة بالإيمان، قال تعالى :﴿وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى﴾ [ الفتح : ٢٦ ] وظاهر اللفظ أيضاً مطابق له، لأن الاتقاء عن الشرك أعم من الاتقاء عن جميع المحظورات، ومن الاتقاء عن بعض المحظورات، لأن ماهية الاشتراك لا تدل على ماهية الامتياز، فحقيقة التقوى وماهيتها حاصلة عند حصول الاتقاء عن الشرك، وعرف القرآن مطابق لذلك، فوجب حمله عليه فكان قوله ﴿لّلَّذِينَ اتقوا﴾ محمولاً على كل من اتقى الكفر بالله.
أما قوله تعالى :﴿لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبّهِمْ﴾ ففيه احتمالان الأول : أن يكون ذلك صفة للخير، والتقدير : هل أنبئكم بخير من ذلاكم عند ربهم للذين اتقوا والثاني : أن يكون ذلك صفة للذين اتقوا والتقدير : للذين اتقوا عند ربهم خير من منافع الدنيا ويكون ذلك إشارة إلى أن هذا الثواب العظيم لا يحصل إلا لمن كان متقياً عند الله تعالى، فيخرج عنه المنافق، ويدخل فيه من كان مؤمناً في علم الله.
وأما قوله ﴿جنات﴾ فالتقدير : هو جنّات، وقرأ بعضهم ﴿جنات﴾ بالجر على البدل من خير، واعلم أن قوله ﴿جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ وصف لطيب الجنّة ودخل تحته جميع النعم الموجودة فيها من المطعم والمشرب والملبس والمفرش والمنظر، وبالجملة فالجنة مشتملة على جميع المطالب، كما قال تعالى :﴿فِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين﴾ [ الزخرف : ٧١ ].
ثم قال :﴿خالدين فِيهَا﴾ والمراد كون تلك النعم دائمة.