قلنا : لم لا يجوز أن يكون ذلك كما في قوله ﴿فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [ آل عمران : ٢١ ] وقوله ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ [ الدخان : ٤٩ ] وأيضاً لم لا يجوز أن يكون المراد منه أنهم كانوا يتوقعون من أوثانهم أنها تشفع لهم عند الله، فكان المراد من الوعد تلك المنافع، وتمام الكلام في مسألة الوعيد قد مرّ في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى :﴿بَل مَن كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾ [ البقرة : ٨١ ] وذكر الواحدي في البسيط طريقة أخرى، فقال : لم لا يجوز أن يحمل هذا على ميعاد الأولياء، دون وعيد الأعداء، لأن خلف الوعيد كرم عند العرب، قال : والدليل عليه أنهم يمدحون بذلك، قال الشاعر :
إذ وعد السراء أنجز وعده.. وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه
وروى المناظرة التي دارت بين أبي عمرو بن العلاء، وبين عمرو بن عبيد، قال أبو عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد : ما تقول في أصحاب الكبائر ؟ قال : أقول إن الله وعد وعداً، وأوعد إيعاداً، فهو منجز إيعاده، كما هو منجز وعده، فقال أبو عمرو بن العلاء : إنك رجل أعجم، لا أقول أعجم اللسان ولكن أعجم القلب، إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤما وعن الإيعاد كرما وأنشد :
وإني وإن أوعدته أو وعدته.. لمكذب إيعادي ومنجز موعدي
واعلم أن المعتزلة حكوا أن أبا عمرو بن العلاء لما قال هذا الكلام قال له عمرو بن عبيد : يا أبا عمرو فهل يسمى الله مكذب نفسه ؟ فقال : لا، فقال عمرو بن عبيد : فقد سقطت حجتك، قالوا : فانقطع أبو عمرو بن العلاء.