قال الحرالي : ولما كان من مضمون ترجمة سورة البقرة إطلاع النبي ﷺ على سر التقدير الذي صرف عن الجواب فيه وإظهار سره موسى كليم الله وعيسى كلمة الله عليهما الصلاة والسلام كان مما أظهره الله سبحانه وتعالى لعامة أمة محمد ﷺ إعلاء لها على كل أمة، واختصاصاً لها بما علا اختصاص نبيها ﷺ حتى قال قائلهم : أخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني لقوم لم يظهروا على سر القدر، وقال : والذي يحلف به عبد الله بن عمر : لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل منه حتى يؤمن بالقدر، فأفهم الله سبحانه وتعالى علماء هذه الأمة أن أعمالها لا تقبل إلا على معرفة سر التقدير لتكون قلوبها بريئة من أعمال ظواهرها، كما قيل في أثارة من العلم : من لم يختم عمله بالعلم لم يعمل، ومن لم يختم علمه بالجهل لم يعلم فختم العامل عمله بالعلم أن يعلم أنه لا عمل له، وأن المجرى على يديه أمر مقدر قدره الله تعالى عليه وأقامه فيه لما خلقه له من حكمته من وصفه من خير أو شر ومن تمام كلمته في رحمته أو عقوبته ليظهر بذلك حكمة الحكيم، ولا حجة للعبد على ربه ولا حجة للصنعة على صانعها ولله سبحانه وتعالى الحجة البالغة ؛ وكذلك العالم متى لم ينطو سره على أنه لا يعلم وإنما العلم عند الله سبحانه وتعالى لم يثبت له علم، فذلك ختم العمل بالعمل وختم العلم بالجهل، فكما أطلعه سبحانه وتعالى في فاتحة سورة البقرة على سر تقديره في خلقه أظهره في فاتحة سورة آل عمران على علن قيوميته الذي هو شاهده في وحي ربه، كما هو بصير بسر القدر في تفرق أفعال خلقه، فكان منزل سورة البقرة قوام الأفعال ومنزل سورة آل عمران قوام التنزيل والإنزال فكان علن القيومية قوام التنزيل للكتاب الجامع الأول، والتنزيل قوام إنزال الكتب، وإنزال الكتاب الجامع لتفسير الكتب قوام تفصيل الآيات المحكمات والمتشابهات، والإحكام والتشابه إقامة