الوجه الثاني : في الجواب أنه هو الموجود أزلاً وأبداً، وكل ما سواه فقد كان في الأزل عدماً صرفاً، ونفياً محضاً، والعدم يشبه الغائب، والموجود يشبه الحاضر، فكل ما سواه فقد كان غائباً، وبشهادة الحق صار شاهداً، فكان الحق شاهداً عل الكل، فلهذا قال :﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾.
الوجه الثالث : أن هذا وإن كان في صورة الشهادة، إلا أنه في معنى الإقرار، لأنه لما أخبر أنه لا إله سواه، كان الكل عبيداً له، والمولى الكريم لا يليق به أن لا يخل بمصالح العبيد، فكان هذا الكلام جارياً مجرى الإقرار بأنه يجب وجوب الكريم عليه أن يصلح جهات جميع الخلق.
الوجه الرابع : في الجواب قرأ ابن عباس ﴿شَهِدَ الله أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ﴾ بكسر ﴿إِنَّهُ﴾ ثم قرأ ﴿إِنَّ الدّينَ عِندَ الله الإسلام﴾ [ آل عمران : ١٩ ] بفتح ﴿أن﴾ فعلى هذا يكون المعنى : شهد الله أن الدين عند الله الإسلام ويكون قوله ﴿أَنَّهُ لا إله إِلاَّ هُوَ﴾ اعتراضاً في الكلام، واعلم أن الجواب لا يعتمد عليه، لأن هذه القراءة غير مقبولة عند العلماء، وبتقدير ﴿أن﴾ تكون مقبولة لكن القراءة الأولى متفق عليها، فالإشكال الوارد عليها لا يندفع بسبب القراءة الأخرى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٧٨﴾
فائدة
قال أبو حيان :
قدم الملائكة على أولي العلم من البشر لأنهم الملأ الأعلى، وعلمهم كله ضروري، بخلاف البشر، فإن علمهم ضروري واكتسابي. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٤٢٠﴾
فائدة
قال الفخر :
المراد من ﴿أُوْلِى العلم﴾ في هذه الآية الذين عرفوا وحدانيته بالدلائل القاطعة لأن الشهادة إنما تكون مقبولة، إذا كان الإخبار مقروناً بالعلم، ولذلك قال ﷺ :" إذا علمت مثل الشمس فاشهد " وهذا يدل على أن هذه الدرجة العالية والمرتبة الشريفة ليست إلا لعلماء الأصول. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٧٩﴾