وقال الآلوسى :
﴿ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجهيَ للَّه ﴾ أي أخلصت وخضعت بقلبي وقالبي لله لا أشرك به غيره، وفيه إشارة إلى أن الجدال معهم ليس في موقعه لأنه إنما يكون في أمر خفي والذي جادلوا به أمر مكشوف، وحكم حاله معروف وهو الدين القويم فلا تكون المحاجة والمجادلة إلا مكابرة، وحينئذ يكون هذا القول إعراضاً عن مجادلتهم، وقيل : إنه محاجة وبيانه أن القوم كانوا مقرين بوجود الصانع وكونه مستحقاً للعبادة فكأنه قال : هذا القول متفق عليه بين الكل فأنا مستمسك بهذا القدر المتفق عليه، وداعي الخلق إليه، وإنما الخلاف في أمور وراء ذلك فاليهود يدعون التشبيه والجسمية، والنصارى يدعون إلهية عيسى عليه السلام والمشركون يدعون وجوب عبادة الأوثان فهؤلاء هم المدعون فعليهم الإثبات. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٣ صـ ١٠٨﴾
قوله تعالى ﴿وَمَنِ اتبعن﴾
فصل
فَتَحَ الياءَ من " وَجْهِيَ " - هنا وفي الأنعام - نافع وابن عامر وجعفر وحفص وسكنها الباقون.
قوله :﴿ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾ في محل " مَنْ " وجوه :
أحدها : الرفع ؛ عطفاً على التاء في " أسْلَمْتُ "، وجاز ذلك ؛ لوجود الفصل بالمفعول ؛ قاله الزمخشريُّ وابن عطية.
قال أبو حيان :" ولا يمكن حمله على ظاهره ؛ لأنه إذا عطف الضمير في نحو :" أكلت رغيفاً وزيدٌ " لزم من ذلك أن يكونا شريكين في أكل الرغيف، وهنا لا يسوغ ذلك ؛ لأن المعنى ليس على أنهم أسلموا هم. وهو ﷺ أسلم وجهه، بل المعنى على أنه ﷺ أسلم وجهه لله، وأنهم أسلموا وجوههم لله ؛ [ فالذي يقوى في الإعراب أنه معطوف على ضمير محذوف منه المفعول، لا مشارك في مفعول " أسْلَمْتُ " والتقدير : ومن اتبعني وجهه، أو أنه مبتدأ محذوف الخبر ؛ لدلالة المعنى عليه، والتقدير : ومن اتبعني كذلك، أي : أسلموا وجوههم لله ]، كما تقول : قضى زيد نحبه وعمرو، أي : عمرو كذلك، أي : قضى نحبه ".