اعلم أنه تعالى بيّن بهذا أن محاسن أعمال الكفار محبطة في الدنيا والآخرة، أما الدنيا فإبدال المدح بالذم والثناء باللعن، ويدخل فيه ما ينزل بهم من القتل والسبي، وأخذ الأموال منهم غنيمة والاسترقاق لهم إلى غير ذلك من الذل الظاهر فيهم، وأما حبوطها في الآخرة فبإزالة الثواب إلى العقاب.
النوع الثالث من وعيدهم : قوله تعالى :﴿وَمَا لَهُم مّن ناصرين ﴾.
اعلم أنه تعالى بيّن بالنوع الأول من الوعيد اجتماع أسباب الآلام والمكروهات في حقهم وبيّن بالنوع الثاني زوال أسباب المنافع عنهم بالكلية وبيّن بهذا الوجه الثالث لزوم ذلك في حقهم على وجه لا يكون لهم ناصر ولا دافع والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٨٧﴾
وقال الطبرى فى معنى الآية :
وأما قوله :"أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة"، فإنه يعني بقوله :"أولئك"، الذين يكفرون بآيات الله. ومعنى ذلك : أنّ الذين ذكرناهم، هم "الذين حبطت أعمالهم"، يعني : بطلت أعمالهم "في الدنيا والآخرة". فأما في الدنيا، فلم ينالوا بها محمدةً ولا ثناء من الناس، لأنهم كانوا على ضلال وباطل، ولم يرفع الله لهم بها ذكرًا، بل لعنهم وهتك أستارهم، وأبدى ما كانوا يخفون من قبائح أعمالهم على ألسن أنبيائه ورسله في كتبه التي أنزلها عليهم، فأبقى لهم ما بقيت الدنيا مذمَّةً، فذلك حبوطها في الدنيا. وأما في الآخرة، فإنه أعدّ لهم فيها من العقاب ما وصف في كتابه، وأعلم عباده أن أعمالهم تصير بُورًا لا ثوابَ لها، لأنها كانت كفرًا بالله، فجزاءُ أهلها الخلودُ في الجحيم.
وأما قوله :"وما لهم من ناصرين"، فإنه يعني : وما لهؤلاء القوم من ناصر ينصرهم من الله، إذا هو انتقم منهم بما سلف من إجرامهم واجترائهم عليه، فيستنقذُهم منه. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٦ صـ ٢٨٧﴾
من فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :


الصفحة التالية
Icon