ولما كان هذا الجزاء شاملاً للخير والشر قال :﴿ما﴾ أي جزاء ما ﴿كسبت﴾ فأتى به مخففاً ليشمل المباشرة بكسب أو اكتساب، وأنث الفعل مع جواز التذكير مراعاة للفظ كل إشارة إلى الإحاطة بالأفعال ولو كانت في غاية الحقارة، وراعى معنى " كل " للوفاء بالمعنى مع موافقة الفواصل ﴿وهم لا يظلمون﴾ أي لا يقع عليهم ظلم بزيادة ولا نقص، ولا يتوقعونه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٠ ـ ٥١﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿فَكَيْفَ إِذَا جمعناهم لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾
فالمعنى أنه تعالى لما حكى عنهم اغترارهم بما هم عليه من الجهل بيّن أنه سيجيء يوم يزول فيه ذلك الجهل، ويكشف فيه ذلك الغرور فقال ﴿فَكَيْفَ إِذَا جمعناهم لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ وفي الكلام حذف، والتقدير : فكيف صورتهم وحالهم ويحذف الحال كثيراً مع كيف لدلالته عليها تقول : كنت أكرمه وهو لم يزرني، فكيف لو زارني أي كيف حاله إذا زارني، واعلم أن هذا الحذف يوجب مزيد البلاغة لما فيه من تحريك النفس على استحضار كل نوع من أنواع الكرامة في قول القائل : لو زارني وكل نوع من أنواع العذاب في هذه الآية.
أما قوله تعالى :﴿إِذَا جمعناهم لِيَوْمٍ﴾ ولم يقل في يوم، لأن المراد : لجزاء يوم أو لحساب يوم فحذف المضاف ودلّت اللام عليه، قال الفرّاء : اللام لفعل مضمر إذا قلت : جمعوا ليوم الخميس، كان المعنى جمعوا لفعل يوجد في يوم الخميس وإذا قلت : جمعوا في يوم الخميس لم تضمر فعلاً وأيضاً فمن المعلوم أن ذلك اليوم لا فائدة فيه إلا المجازاة وإظهار الفرق بين المثاب والمعاقب، وقوله ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ أي لا شك فيه.
ثم قال :﴿وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ فإن حملت ما كسبت على عمل العبد جعل في الكلام حذف، والتقدير : ووفيت كل نفس جزاء ما كسبت من ثواب أو عقاب، وإن حملت ما كسبت على الثواب والعقاب استغنيت عن هذا الإضمار.


الصفحة التالية
Icon