أَحَقُّ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقُسَاةِ الطُّغَاةِ الْمُسْرِفِينَ فِي الشَّرِّ إِسْرَافًا جَعَلَهُمْ عَلَى مُنْتَهَى الْبُعْدِ عَنِ النَّبِيِّينَ وَالْآمِرِينَ بِالْقِسْطِ حَتَّى كَانَ مِنْهُمُ الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ بِالْفِعْلِ، وَمِنْهُمُ الَّذِينَ نُفُوسُهُمْ كَنُفُوسِ مَنْ قَتَلُوا وَمَا يَمْنَعُهُمْ عَنِ الْفِعْلِ إِلَّا الْعَجْزُ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ [٨ : ٣٠] فَهَذِهِ النُّفُوسُ قَدْ أَحَاطَتْ بِهَا خَطَايَاهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهَا مَنْفَذٌ لِنُورِ آيَاتِ اللهِ الَّتِي بِهَا يُبْصِرُ الْحَقَّ وَيَهْتَدِي إِلَى إِقَامَةِ الْقِسْطِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهِمْ : أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَا يَنْتَفِعُونَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ إِنَّمَا يَنْفَعُ بِحُسْنِ أَثَرِهِ فِي النَّفْسِ، وَنُفُوسُ هَؤُلَاءِ قَدْ أَوْغَلَ فِيهَا الْفَسَادُ - كَمَا تَقَدَّمَ - فَفَقَدَتْ الِاسْتِعْدَادَ وَالْقَبُولَ لِكُلِّ خَيْرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِالتَّفْصِيلِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ (٢ : ٢١٧) وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنَ اللهِ وَقَدْ أَبْسَلَتْهُمْ ذُنُوبُهُمْ بِمَا لَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ فِي إِفْسَادِ نُفُوسِهِمْ، فَأَيُّ نَاصِرٍ يَدْفَعُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ وَهُوَ مِمَّا اقْتَضَتْهُ طَبِيعَتُهُمْ ؟
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ