انتقال إلى الترغيب بعد الترهيب على عادة القرآن. والمناسبة أن الترهيب المتقدم ختم بقوله ﴿وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾ [آل عمران : ٣٠] والرأفة تستلزم محبة المرؤوف به الرؤف، فجعل محبة الله فعلا للشرط في مقام تعليق الأمر باتباع الرسول عليه مبني على كون الرأفة تستلزم المحبة، أو هو مبني على أن محبة الله أمر مقطوع به من جانب المخاطبين، فالتعليق عليه تعليق شرط محقق، ثم رتب على الجزاء مشروط آخر وهو قوله :﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ لكونه أيضا مقطوع الرغبة من المخاطبين، لأن الخطاب للمؤمنين، والمؤمن غاية قصده تحصيل رضا الله عنه ومحبته إياه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٧٨﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما دعا القوم إلى الإيمان به، والإيمان برسله على سبيل التهديد والوعيد، دعاهم إلى ذلك من طريق آخر وهو أن اليهود كانوا يقولون ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [ المائدة : ١٨ ] فنزلت هذه الآية، ويروى أنه ﷺ وقف على قريش وهم في المسجد الحرام يسجدون للأصنام فقال :" يا معشر قريش والله لقد خالفتم ملة إبراهيم، " فقالت قريش : إنما نعبد هذه حباً لله تعالى ليقربونا إلى الله زلفى، فنزلت هذه الآية، ويروى أن النصارى قالوا : إنما نعظم المسيح حباً لله، فنزلت هذه الآية، وبالجملة فكل واحد من فرق العقلاء يدعي أنه يحب الله، ويطلب رضاه وطاعته فقال لرسوله ﷺ : قل إن كنتم صادقين في ادعاء محبة الله تعالى فكونوا منقادين لأوامره محترزين عن مخالفته، وتقدير الكلام : أن من كان محباً لله تعالى لا بد وأن يكون في غاية الحذر مما يوجب سخطه، وإذا قامت الدلالة القاطعة على نبوّة محمد ﷺ وجبت متابتعه، فإن لم تحصل هذه المتابعة دلّ ذلك على أن تلك المحبة ما حصلت. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ١٦﴾
وقال القرطبى :