ومناسبة الآية لما قبلها كما قال الطيبي : أنه سبحانه لما عظم ذاته وبين جلالة سلطانه بقوله جل وعلا :﴿ قُلِ اللهم مالك الملك ﴾ [ آل عمران : ٢٦ ] الخ تعلق قلب العبد المؤمن بمولى عظيم الشأن ذي الملك والملكوت والجلال والجبروت، ثم لما ثنى بنهي المؤمنين عن موالاة أعدائه وحذر عن ذلك غاية التحذير بقوله عز قائلاً :﴿ لا يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَاء ﴾ [ آل عمران : ٢٨ ] الخ ؛ ونبه على استئصال تلك الموالاة بقوله عز شأنه :﴿ إِن تُخْفُواْ مَا فِى صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ ﴾ [ آل عمران : ٢٩ ] الآية وأكد ذلك بالوعيد الشديد زاد ذلك التعلق أقصى غايته فاستأنف قوله جل جلاله :﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله ﴾ ليشير إلى طريق الوصول إلى هذا المولى جل وعلا فكأن قائلاً يقول : بأي شيء ينال كمال المحبة وموالاة الرب ؟ فقيل : بعد قطع موالاة أعدائنا تنال تلك الدرجة بالتوجه إلى متابعة حبيبنا إذ كل طريق سوى طريقه مسدود وكل عمل سوى ما أذن به مردود. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٣ صـ ١٢٩ ـ ١٣٠﴾
وقال ابن كثير :
هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه قال :"مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْسَ عليه أمْرُنَا فَهُوَ رَدُّ" ولهذا قال :﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ أي : يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء : ليس الشأن أن تُحِبّ، إنما الشأن أن تُحَبّ. أ هـ ﴿تفسير ابن كثير حـ ٢ صـ ٣٢﴾


الصفحة التالية
Icon