فصل


المحبة من أعلى مقامات العارفين، وهي إيثار من اللّه تعالى لعباده المخلصين ومعها نهاية الفضل العظيم، قال اللّه جلت قدرته :(يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُونَهُ) المائدة : ٥٤ ثم قال تعالى :(ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤتيهِ مَنْ يَشاءُ) الحديد : ٢١ وهذا الخبر متصل بالابتداء في المعنى لأنّ اللّه تعالى وصف المؤمنين المحبين بفضله عليهم، وما اعترض بينهما من الكلام فهو نعت المحبوبين، وروي عن النبي ﷺ : ما كان اللّه ليعذب حبيبه بالنار، وقال اللّه عزّ وجلّ مصداق قول نبيه عليه السلام، ردّاً على من ادعى محبته واحتجاجاً عليهم :(قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذنُوبِكُمْ بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) المائدة : ١٨ وقال زيد بن أسلم : إنّ اللّه ليحب العبد حتى يبلغ من حبه له أن يقول : اصنع ماشئت فقد غفرت لك، وروينا عن إسماعيل بن أبان عن أنس قال : قال رسول اللّه ﷺ : إذا أحب اللّه عبداً لم يضره ذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، ثم تلا : إنّ اللّه يحب التوّابين ويحب المتطهرين، وقد اشترط اللّه للمحبة غفران الذنوب بقوله تعالى :(يُحْبِبْكُمْ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) آل عمران : ٣١ فكل مؤمن باللّه فهو محب للّه، ولكن محبته على قدر إيمانه، وكشف مشاهدته وتجلي المحبوب له على وصف من أوصافه، دليل ذلك استجابتهم له بالتوحيد والتزام أمره وتسليم حكمه، ثم تفاوتهم في مشاهدات التوحيد، وفي دوام الالتزام للأوامر وفي تسليم الأحكام، فليس ذلك يكون إلا عن محبة، وإنّ تفاوت المحبون على حسب أقسامهم من المحبوب، وليس يقصر عن المحبة صغير كما لا يصغر عن المعرفة من عرف، ولا يكبر عن التوبة كبير ولو كان على كل العلوم قد أوقف، لأنّ اللّه تعالى وصف المؤمنين بشدة الحبّ له فقال تعالى :(وَالَّذينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للّه) البقرة : ١٦٥ وفي قوله أشدّ دليل على تفاوتهم في المحبة لأنّ المعنى أشدّ فأشدّ ولم يقل


الصفحة التالية
Icon