وقرأ ابنُ عباس ومجاهدٌ، وأبو رجاء وقتادةُ وأبو حَيْوةَ ويعقوبُ وسهلٌ وعاصمٌ - في رواية المعتل عينه - تتقوا منهم تقيَّة - بوزن مَطِيَّة - وهي مصدر - أيضاً - بمعنى تقاة، يقال : اتَّقَى يتقي اتقاءً وتَقْوًى وتُقَاةً وتَقِيَّة وتُقًى، فيجيء مصدر " افْتَعَل " من هذه المادة على الافتعال، وعلى ما ذكر معه من هذه الأوزانِ، ويقال - أيضاً- : تقيت أتقي - ثلاثياً - تَقِيَّةً وتقوًى وتُقَاةً وتُقًى، والياء في جميع هذه الألفاظ بدل من الواو لما عرفته من الاشتقاق.
وأمال الأخوانِ " تُقَاةً " هنا ؛ لأن ألفَها منقلبةٌ عن ياءٍ، ولم يؤثِّرْ حرفُ الاستعلاء في منع الإمالة ؛ لأن السبب غيرُ ظاهر، ألا ترى أن سبب الياء الإمالة المقدرة - بخلاف غالب، وطالب، وقادم فإن حرف الاستعلاء - هنا - مؤثِّر ؛ لكن سبب الإمالة ظاهر، وهو الكسرة، وعلى هذا يقال : كيف يؤثر مع السبب الظاهر، ولم يؤثر مع المقدَّر وكان العكس أولى.
والجوابُ : أن الكسرة سببٌ منفصلٌ عن الحرف المُمَال - ليس موجوداً فيه - بخلاف الألف المنقلبة عن ياء، فإنها - نفسها - مقتضية للإمالة، فلذلك لم يقاوِمها حرفُ الاستعلاء.
وأمال الكسائي - وحده - ﴿ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] فخرج حمزة عن أصله، وكأن الفرق أن " تُقَاةً " - هذه - رُسِمَتْ بالياء، فلذلك وافق حمزةُ الكسائيَّ عليه، ولذلك قال بعضهم :" تَقِيَّة " - بوزن مطيّة - كما تقدم ؛ لظاهر الرسم، بخلاف " تُقَاتِهِ ".
قال شهاب الدين :[ وإنما أمعنت في سبب الإمالة هنا ؛ لأن بعضهم زعم أن إمالة هذا شاذٌّ ؛ لأجل حرف الاستعلاء، وأن سيبويه حكى عن قوم أنَّهم يُميلُون شَيْئاً لا تجوز إمالَُته، نحو : رَأيْتُ عِرْقَى بالإمالة، وليس هذا من ذلك ؛ لما تقدم لك من أن سبب الإمالة في كسْرِهِ ظاهرٌ.