وأجاب ابو حيّان بأنها ليست شرطية - لا لما ذكر الزمخشريُّ وابن عطيّة - بل لعلَّةٍ أخرى، قال : كنت سُئِلت عن قول الزمخشريِّ : فذكره ثم قال : ولنذكر هاهنا ما تمس إليه الحاجة بعد أن تقدم ما ينبغي تقديمه، فنقول : إذا كان فعل الشرط ماضياً، وبعده مضارع تتم به جملة الشرط والجزاء جاز في ذلك المضارع، الجَزْمُ، وجاز فيه الرفعُ، مثال ذلك : إن قام زيد يَقُمْ - ويقوم عمرو، فأما الجزم فعلى جواب الشرط ولا نعلم في جواز ذلك خلافاً، وأنه فصيح، إلا ما ذكره صاحب كتاب " الإعراب " عن بعض النحويين أنه لا يجيء في الكلام الفصيح، وإنما يجيء مع " كان " كقوله تعالى :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ ﴾ [ هود : ١٥ ]، لأنها أصل الأفعال، ولا يجوز ذلك مع غيرها، وظاهر كلام سيبويه، وكلام الجماعة، أنه لا يختص ذلك بـ " كان " بل سائر الأفعال في ذلك مثل " كان ".
وأنشد سيبويه للفرزدق :[ البسيط ]
دَسَّتْ رَسُولاً بِأنَّ الْقَوْمَ إنْ قَدَرُوا... عَلَيْكَ يَشْفُوا صُدُوراً ذَاتَ تَوغِيرِ
وقال أيضاً :[ الطويل ]
تَعَالَ فَإنْ عَاهَدتنِي لا تَخُونُنِي... نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَجِبَانِ
وأما الرفع فإنه مسموع من لسان العرب كثيراً.
قال بعض أصحابنا : هو أحسن من الجزم، ومنه بيت زهير السابق. ومثله - أيضاً - قوله :[ الطويل ]
وَإنْ شُلَّ رَيْعَانُ الْجَمِيع مَخَافَةً... نَقُولُ - جِهَاراً - وَيْلَكُمْ لا تُنَفِّرُوا
وقال أبو صخر :[ الطويل ]
وَلاَ بِالَّذِي إنْ بَانَ عَنْهُ حَبِيبُهُ... يَقُول - وَيُخْفِي - الصَّبْرَ - إنِّي لَجَازعُ
وقال الآخر :[ الطويل ]
وَإنْ بَعُدُوا لا يَأمَنُونَ اقْتِرَابَهُ... تَشَوُّفَ أهْلِ الْغَائِبِ الْمُتَنَظَّرِ
وقال الآخر :[ الطويل ]
فَإنْ كَانَ لا يُرْضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِي... إلَى قَطَرِيٍّ لا إخَالُكَ رَاضِيا


الصفحة التالية
Icon