فالجواب : أن اشتمال الدليل على ضمير اسم الشرط يوجب تأخيره عنه ؛ لعود الضمير، فيلزم من ذلك اقتضاء جملة الشرط لجملة الدليل، وجملة الشرط إنما تقتضي جملة الجزاء - لا دليله - ألا ترى أنها ليست بعاملة في جملة الدليل ؟ بل إنها تعمل في جملة الجزاء، وجملة الدليل لا موضع لها من الإعراب، وإذا كان كذلك تدافَع الأمر ؛ لأنها من حيث هي جملة دليل لا يقتضيها فعل شرط، ومن حيث عَوْد الضمير على اسم الشرط اقتضاها، فتدافَعَا، وهذا بخلاف : ضرب زيد أخاه ؛ فإنها جملة واحدة، والفعل عامل في الفاعل والمفعول معاً، فكل واحد منهما يقتضي صاحبه، ومن ذلك جاز - عند بعضهم - ضرب غلامُها هنداً، لاشتراك الفاعل - المضاف إلى الضمير - والمفعول الذي عاد عليه الضمير - في العامل، وامتنع ضرب غلامُها جازَ عنده ؛ لعدم الاشتراك في العامل، ففرق ما بين المسألتين، ولا يُحْفَظ من لسان العربِ : أوَدُّ لو أني أكْرمه أبا ضربتُ هِندٍ ؛ لأنه يلزم منه تقديم المُضْمَر على مفسِّره - في غير المواضع التي ذكرها النحويون - فلذلك لا يجوز تأخيره " انتهى.
وقد جوَّز ابو البقاء كونَها شرطية، ولم يلتفت لما مَنَعُوا به ذلك، فقال :" والثاني - أنها شرط وارتفع " تَوَدُّ " على إرادة الفاء، أي : فهو تود ".
ويجوز أن يرتفع من غير تقدير حذف ؛ لأن الشرط - هنا - ماضٍ، وإذا لم يظهر في الشرط لفظ الجزم جاز في الجزاء الوجهان : الجزم والرفع.
[ وقد تقدم تحقيق القول في ذلك، فالظاهر موافقته للقول الثالث من تخريج الرفع في المضارع كما تقدم تحقيقه وقرأ... ] عبد الله وابن أبي عبلة :" ودت " - بلفظ الماضي - وعلى هذه القراءة يجوز في " ما " وجهان :
أحدهما : أن تكون شرطية، وفي محلها - حينئذ - احتمالان.
الأول : النصب بالفعل بعدها، والتقدير : أيَّ شيء عملت من سوء ودت، ف " وَدَّتْ " جواب الشرط.


الصفحة التالية
Icon