قال ابن عباس رضي الله عنهما : قالت اليهود نحن من أبناء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، ونحن على دينهم فأنزل الله تعالى هذه الآية. يعني : إن الله اصطفى هؤلاء بالإسلام وأنتم على غير دين الإسلام ﴿ اصْطَفَى ﴾. أ هـ ﴿تفسير البغوى حـ ٢ صـ ٢٨﴾
فصل
قال الفخر :
﴿اصطفى﴾ في اللغة اختار، فمعنى : اصطفاهم، أي جعلهم صفوة خلقه، تمثيلاً بما يشاهد من الشيء الذي يصفى وينقى من الكدورة، ويقال على ثلاثة أوجه : صفوة، وصفوة وصفوة، ونظير هذه الآية قوله لموسى ﴿إِنْى اصطفيتك عَلَى الناس برسالاتي﴾ [ الأعراف : ١٤٤ ] وقال في إبراهيم ﴿وإسحاق وَيَعْقُوبَ وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين الاخيار﴾ [ ص : ٤٧ ].
إذا عرفت هذا فنقول.
في الآية قولان
الأول : المعنى أن الله اصطفى دين آدم ودين نوح فيكون الاصطفاء راجعاً إلى دينهم وشرعهم وملتهم، ويكون هذا المعنى على تقدير حذف المضاف والثاني : أن يكون المعنى : إن الله اصطفاهم، أي صفاهم من الصفات الذميمة، وزينهم بالخصال الحميدة، وهذا القول أولى لوجهين أحدهما : أنا لا نحتاج فيه إلى الإضمار
والثاني : أنه موافق لقوله تعالى :﴿الله أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رسالته﴾ [ الأنعام : ١٢٤ ] وذكر الحليمي في كتاب "المنهاج" أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لا بد وأن يكونوا مخالفين لغيرهم في القوى الجسمانية، والقوى الروحانية، أما القوى الجسمانية، فهي إما مدركة، وإما محركة.
أما المدركة : فهي إما الحواس الظاهرة، وإما الحواس الباطنة، أما الحواس الظاهرة فهي خمسة
أحدها : القوة الباصرة، ولقد كان الرسول ﷺ مخصوصاً بكمال هذه الصفة ويدل عليه وجهان
الأول : قوله ﷺ :" زويت لي الأرض فأريت مشارقها مغاربها "