قال أبو عُبَيْد :" نراه اختار ذلك ؛ خلافاً على المشركين ؛ لأنهم قالوا : الملائكة بناتُ اللهِ ".
وروى الشعبيُّ أن ابن مسعود قال :" إذا اختلفتم في الياء والتاء فاجعلوها ياءً ".
وتجرأ أبو البقاء على قراءة الأخوين، فقال : وكره قوم قراءة التأنيث لموافقة الجاهلية، ولذلك قرأ " فناداه " بغير تاء - والقراءة غير جيِّدة ؛ لأن الملائكة جمع، وما اعتلوا ليس بشيءٍ ؛ لأن الإجماع على إثبات التاء في قوله :﴿ وَإِذْ قَالَتِ الملائكة يامريم ﴾ [ آل عمران : ٤٢ ].
وهذان القولان - الصادران من أبي البقاء وغيره - ليسا بجيِّدَيْن ؛ لأنهما قراءتان متواترتان، فلا ينبغي أن ترد إحداهما ألبتة.
والأخوان على أصلهما من إمالة " فَنَادَاهُ ". والرسم يحتمل القراءتين معاً - أعني : التذكير والتأنيث والجمهور على أن الملائكة المراد بهم واحد - وهو جبريل.
قال الزَّجَّاج : أتاه النداء من هذا الجنس الذين هم الملائكة، كقولك : فلان يركب السُّفُنَ - أي : هذا الجنس كقوله تعالى :﴿ يُنَزِّلُ الملائكة ﴾ [ النحل : ٢ ] يعني جبريل " بِالرُّوحِ " يعني الوحي. ومثله قوله :﴿ الذين قَالَ لَهُمُ الناس ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ] وهو نعيم بن مسعود، وقوله :﴿ إِنَّ الناس قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٧٣ ] يعني أبا سفيان. ولما كان جبريل - عليه السلام - رئيسَ الملائكة أخبر عنه إخبار الجماعة ؛ تعظيماً له.
قيل : الرئيس لا بدَّ له من أتباع، فلذلك أخبر عنه وعنهم، وإن كان النداء قد صدر منه - قاله الفضل بن سلمة - ويؤيد كون المنادي جبريل وحده قراءةُ عبد الله - وكذا في مصحفه - فناداه جبريل.
والعطف بالفاء - في قوله " فَنَادَتْهُ " - مُؤذِنٌ بأن الدعاء مُتَعقب بالتبشير.
والنداء : رفع الصوت، يقال : نادَى ندَاء - بضم النون وكسرها - والأكثر في الأصوات مجيئها على الضم، نحو البُكَاء، والصُّراخ، والدُّعاء، والرُّغاء.