الأول : أنه خلق بكلمة الله، وهو قوله ﴿كُنَّ﴾ من غير واسطة الأب، فلما كان تكوينه بمحض قول الله ﴿كُنَّ﴾ وبمحض تكوينه وتخليقه من غير واسطة الأب والبذر، لا جرم سمى : كلمة، كما يسمى المخلوق خلقاً، والمقدور قدرة، والمرجو رجاء، والمشتهي شهوة، وهذا باب مشهور في اللغة
والثاني : أنه تكلم في الطفولية، وآتاه الله الكتاب في زمان الطفولية، فكان في كونه متكلماً بالغاً مبلغاً عظيماً، فسمي كلمة بهذا التأويل وهو مثل ما يقال : فلان جود وإقبال إذا كان كاملاً فيهما
والثالث : أن الكلمة كما أنها تفيد المعاني والحقائق، كذلك عيسى كان يرشد إلى الحقائق والأسرار الإلهية، فسمى : كلمة، بهذا التأويل، وهو مثل تسميته روحاً من حيث إن الله تعالى أحيا به من الضلالة كما يحيا الإنسان بالروح، وقد سمى الله القرآن روحاً فقال :﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مّنْ أَمْرِنَا﴾ [ الشورى : ٥٢ ]
والرابع : أنه قد وردت البشارة به في كتب الأنبياء الذين كانوا قبله، فلما جاء قيل : هذا هو تلك الكلمة، فسمى كلمة بهذا التأويل قالوا : ووجه المجاز فيه أن من أخبر عن حدوث أمر فإذا حدث ذلك الأمر قال : قد جاء قولي وجاء كلامي، أي ما كنت أقول وأتكلم به، ونظيره قوله تعالى :﴿وكذلك حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى الذين كَفَرُواْ أَنَّهُمْ أصحاب النار﴾ [ غافر : ٦ ] وقال :﴿ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين﴾ [ الزمر : ٧١ ]