فالبحث محتاج إلى تحرير بعد، وإنما جعل عقل اللسان آية العلوق لتخلص المدة لذكر الله تعالى وشكره قضاءاً لحق النعمة كأنه قيل له : آية حصول النعمة أن تمنع عن الكلام إلا بشكرها، وأحسن الجواب على ما قيل ما أخذ من السؤال كما قيل لأبي تمام لم تقول ما لا نفهم ؟ فقال : لم لا نفهم ما يقال ؟ وهذا مبني على أن سؤال الآية منه عليه السلام إنما كان لتلقي النعمة بالشكر، ولعل دلالة كلامه على ذلك بواسطة المقام وإلا ففي ذلك خفاء كما لا يخفى. وأخرج عبد الرزاق وغيره عن قتادة أن حبس لسانه عليه السلام كان من باب العقوبة حيث طلب الآية بعد مشافهة الملائكة له بالبشارة ولعل الجناية حينئذ من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين ومع هذا حسن الظن يميل إلى الأول، ومذهب قتادة لا آمن على الأقدام الضعيفة قتادة. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٣ صـ ١٥٠ ـ ١٥١﴾
فائدة
قال الجصاص :
قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ :﴿ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ﴾ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بِعَيْنِهَا :﴿ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا ﴾ عَبَّرَ تَارَةً بِذِكْرِ الْأَيَّامِ وَتَارَةً بِذِكْرِ اللَّيَالِيِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ مِنْ الْجَمِيعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُعْقَلُ بِهِ مِقْدَارُهُ مِنْ الْوَقْتِ الْآخَرِ، فَيُعْقَلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثَلَاثُ لَيَالٍ مَعَهَا وَمِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالذِّكْرِ فَقَالَ :﴿ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ﴾ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَدَدِ الْأَوَّلِ عَقِلَ الْمَلَائِكَةُ مِثْلَهُ مِنْ الْوَقْتِ الْآخَرِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٢ صـ ٢٩٣﴾
قوله تعالى ﴿إِلاَّ رَمْزًا﴾
قال الفخر :
أصل الرمز الحركة، يقال : ارتمز إذا تحرك، ومنه قيل للبحر : الراموز، ثم اختلفوا في المراد بالرمز ههنا على أقوال
أحدها : أنه عبارة عن الإشارة كيف كانت باليد، أو الرأس، أو الحاجب، أو العين، أو الشفة
والثاني : أنه عبارة عن تحريك الشفتين باللفظ من غير نطق وصوت قالوا : وحمل الرمز على هذا المعنى أولى، لأن الإشارة بالشفتين يمكن وقوعها بحيث تكون حركات الشفتين وقت الرمز مطابقة لحركاتهما عند النطق فيكون الاستدلال بتلك الحركات على المعاني الذهنية أسهل
والثالث : وهو أنه كان يمكنه أن يتكلم بالكلام الخفي، وأما رفع الصوت بالكلام فكان ممنوعاً منه.
فإن قيل : الرمز ليس من جنس الكلام فكيف استثنى منه ؟.
قلنا : لما أدى ما هو المقصود من الكلام سمي كلاماً، ويجوز أيضاً أن يكون استثناءً منقطعاً فأما إن حملنا الرمز على الكلام الخفي فإن الإشكال زائل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٣٦ ـ ٣٧﴾