إن الإنسان حر، ولكنه يختار نذرا من جنس ما فرض الله من تكاليف، إن النذر هو زيادة عما كلف المكلف من جنس ما كلف سبحانه. وكلمة " نذرت " من ضمن معانيها هو أن امرأة عمران سيدة تقية وورعة ولم تكن مجبرة على النذر، ولكنها فعلت ذلك، وهو أمر زائد من أجل خدمة بيت الله.
والنذر كما نعلم يعبر عن عشق العبد لتكاليف الله، فيلزم نفسه بالكثير من بعضها. ودعت امرأة عمران الله من بعد ذلك بقبول ذلك النذر فقالت :" فتقبل مني ". " والتقبل " هو أخذ الشيء برضا، لأنك قد تأخذ بكره، أو تأخذ على مضض، أما أن " تتقبل " فذلك يعني الأخذ بقبول وبرضا. واستجابة لهذا الدعاء جاء قول الحق :
﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ﴾
[آل عمران : ٣٧].
ونلاحظ أن امرأة عمران قالت في أول ما قالت :﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾، ولم تقل :" يا الله " وهذا لنعلم أن الرب هو المتولى التربية، فساعة ينادي " ربي " فالمفهوم فيها التربية. وساعة يُنادي بـ " الله " فالمفهوم فيها التكليف. إن " الله " نداء للمعبود الذي يطاع فيما يكلف به، أما " رب " فهو المتولي التربية.
قالت امرأة عمران :﴿ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾. هذا هو الدعاء، وهكذا كانت الاستجابة :﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ﴾ وبعد ذلك تكلم الحق عن الأشياء التي تكون من جهة التربية. ﴿ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً.. وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ﴾. كل ذلك متعلق بالتربية وبالربوبية، فساعة نادت امرأة عمران عرفت كيف تنادي ونذرت ما في بطنها. وبعد ذلك جاء الجواب من جنس ما دعت بقمة القبول وهو الأخذ برضا.
﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ﴾.