العالم العياني لم يلحقه بعد عند أهل النظر اسم العالم وأشار سبحانه وتعالى بذكر الذرية من معنى الذرء الذي هو مخصوص بالخلق ليظهر انتظام عيسى عليه الصلاة والسلام في سلك الجميع ذرءاًَ، وأنه لا يكون مع الذرء لبس الإلهية، لأن الله سبحانه وتعالى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فكان نصب لفظ الذرية تكييفاً لهذا الاصطفاء المستخلص على وجه الذر، وهو الذي يسميه النحاة حالاً - انتهى.
ولما ذكر سبحانه وتعالى هؤلاء الذين اصطفاهم، وكان مدار أمر الاصطفاء على العلم، ومدار ما يقال لهم وفيهم مما يكون كفراً أو إيماناً على السمع ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله عاطفاً على ما تقديره : فالله سبحانه وتعالى يفعل بإحاطته ما يريد :﴿والله﴾ أي المحيط قدرة وعلماً ﴿سميع عليم﴾ إشارة إلى أنه اصطفاهم على تمام العلم بهم ترغيباً في أحوالهم والاقتداء بأفعالهم وأقوالهم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٦ ـ ٦٩﴾
وقال ابن عاشور :
﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهيم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [٣٣]﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [٣٤].
انتقال من تمهيدات سبب السورة إلى واسطة التمهيد والمقصد، كطريقة التخلص، فهذا تخلص لمحاجة وفد نجران وقد ذكرناه في أول السورة، فابتدئ هنا بذكر آدم ونوح وهما أبو البشر أو أحدهما وذكر إبراهيم وهو أبو المقصودين بالتفضيل وبالخطاب. فأما آدم فهو أبو البشر باتفاق الأمم كلها إلا شذوذا من أصحاب النزعات الإلحادية الذين ظهروا في أوروبا واخترعوا نظيرة تسلسل أنواع الحيوان بعضها من بعض وهي نظيرة فائلة.


الصفحة التالية
Icon