قال المفسرون : إنها إنما قالت ذلك لأن التبشير به يقتضي التعجب مما وقع على خلاف العادة وقد قررنا مثله في قصة زكريا عليه السلام، وقوله ﴿إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ تقدم تفسيره في سورة البقرة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٨ صـ ٤٧﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قَالَتْ رَبِّ ﴾ أي يا سَيّدي. (١)
تخاطب جبريل عليه السَّلام ؛ لأنه لما تمثل لها قال لها : إنما أنا رسولُ رَبِّك ليَهب لكِ غلاماً زكياً.
فلما سمعت ذلك من قوله استفهمت عن طريق الولد فقالت : أنَّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر ؟ أي بنكاح.
( في سورتها ) ﴿ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً ﴾ [ مريم : ٢٠ ] ذكرت هذا تأكيداً ؛ لأن قولها ﴿ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ﴾ يشمل الحرام والحلال.
تقول : العادة الجارية التي أجراها الله في خلقه أن الولد لا يكون إلاَّ عن نكاح أو سِفاح.
وقيل : ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئاً، ولكن أرادت كيف يكون هذا الولد : أمِن قِبل زوج في المستقبل أم يخلقه الله ابتداء ؟ فرُوي أن جبريل عليه السَّلام حين قال لها :﴿ كَذَلِكَ الله يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ﴾ ﴿ قَالَ كذلك قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ﴾ [ مريم : ٢١ ].
نفخ في جَيب درعها وكُمّها ؛ قاله ابن جُريج.
(١) قول فى غاية البعد وعدول عن الظاهر بغير دليل والأصل أن كلمة ربى لا تطلق على غير الله إلا مع وجود القرينة وهى مفقودة هنا ويؤخذ على الإمام القرطبى ـ رحمه الله ـ أنه اقتصر على ذكر هذا الوجه فقط كأنه اختاره ورجحه بينما ذكر غيره الوجهين والفريق الثالث قال : إن المراد من قولها ﴿قالت رب﴾ رب العالمين
وهذا الكلام شبيه بكلام بعض المفسرين الذين قالوا أن المراد بكلمة ﴿ربى﴾ فى قوله تعالى فى سورة يوسف ﴿إنه ربى أحسن مثواى﴾ المراد به العزيز وسيأتى الرد على ذلك فى موضعه إن شاء الله.
ورحم الله الإمام الزمخشرى فقد قال فى هذا الموضع : ومن بدع التفاسير أن قولها : رب نداء لجبريل عليه السلام بمعنى يا سيدي. أ هـ ﴿الكشاف حـ ١ صـ ٣٦٤﴾