الخامس : أنه عائد على ما دَلَّت عليه الكاف من معنى المثل ؛ لأن المعنى : أخلق من الطِّينِ مثلَ هيئة الطَّير وتكون الكاف في موضع نصب على أنه صفة للمصدر المراد تقديره : أني أخلق لكم خلقاً مثل هيئة الطير. قاله الفارسي ؛ وقد تقدم الكلام معه في ذلك.
السادس : أنه عائد على الطين، قاله أبو البقاء، وأفسده الواحديُّ، قال :" ولا يجوز أن تعود الكناية على " الطِّينِ " لأن النفخ إنما يكون في طين مخصوص وهو ما كان مهيَّئاً منه - والطين المتقدم ذكرُه عام فلا تعود إليه الكناية، ألا ترى أنه لا ينفخ في جميع الطين ".
وفي هذا الرَّد نَظَر ؛ إذ لقائلٍ أن يقول : لا نُسَلِّم عمومَ الطين المتقدم، بل المراد بعضه. ولذلك أدخل عليه " مِنْ " التي تقتضي التبعيض، فإذا صار المعنى : أني أخلق بعض الطين، عاد الضَّمِيرُ عليه من غير إشكال، ولكنَّ الواحدي جعل " مِنْ " في الطين لابتداء الغاية، وهو الظَّاهِرُ.
قال أبو حيّان :" وقرأ بعض القُرَّاء " فأنْفَخَهَا ". أعَاد الضمير على الهيئة المحذوفة ؛ إذ يكون التقدير : هيئة كهيئة الطير، أو على الكاف - على المعنى - إذ هي بمعنى مماثلة هيئة الطير، فيكون التأنيث هنا كما هو في آية المائدة :﴿ فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً ﴾ [ المائدة : ١١٠ ] ويكون في هذه القراءة قد حذف حرف الجر، كما حذف في قوله :[ البسيط ]
مَا شُقَّ جَيْبٌ وَلاَ قَمَتْكَ نَائِحَةٌ... وَلاَ بَكَتْكَ جِيَادٌ عِنْدَ أسْلاَبِ
وقول النابغة :[ البسيط ]
.................... كَالْهِبْرَقِيِّ تَنَحَّى يَنْفُخُ الْفَحْما
يريد ولا قامت عليك، وينفخ في الفَحْمِ. وهي قراءة شائة، نقلها الفرَّاء ".
قال شهابُ الدين :" وعجبت منه، كيف لم يَعْزُها، وقد عزاها صاحبُ الكشَّاف إلى عبد الله، قال : وقرأ :" أعبدُ الله " فأنفخها ".
قوله :﴿ فَيَكُونُ ﴾ في " يكون " وجهان :


الصفحة التالية
Icon