وقرأ نافع ويَعْقُوبُ فيكون طائِراً - هنا وفي المائدة - والباقون " طَيْراً " في الموضعين.
فأما قراءة نافع فوجَّهَهَا بعضُهم بأنَّ المعنى على التوحيد، والتقدير : فيكون ما أنفخ فيه طائراً ولا يعترض عليه بأن الرسمَ الكريمَ إنما هو " طَيْراً " - دون ألف - لأن الرسم يُجوِّز حذف مثل هذه الألف تخفيفاً ويدل على ذلك أنه رسم قوله تعالى :﴿ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [ الأنعام : ٣٨ ] ولا طير - دون ألف - ولم يقرأه أحد " طائر " - بالألف - فالرسم محتمل، لا مُنَافٍ.
قال بعضهم كالشارح لما تقدم - : ذهب نافع إلى نوع واحد من الطير ؛ لأنه لم يخلق غير الخفّاشِ، وزعم آخرون أن معنى قراءته : يكون كل واحد مما أنفخ فيه طائراً، قال : كقوله تعالى :﴿ فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴾ [ النور : ٤ ] أي اجلدوا كل واحد منهم وهو كثير من كلامهم.
وأما قراءة الباقين فمعناها يحتمل أن يُرَاد به اسم الجنس - أي : جنس الطير - ويُحْتَمل أن يُرَاد به الواحد فما فوقه، ويحتمل أن يراد به الجمع، ولا سيما عند من يرى أن طيراً صيغة جمع نحو رَكْب وصَحْب وتَجْر ؛ جمع راكب وصاحب وتاجر - وهو الأخفشُ - وأما عند سيبويه فهي عنده أسماء جموع، لا جموع صريحة وتقدم الكلام على ذلك في البقرة. وحسن قراءة الجماعة لموافقتها لما قبلها - في قوله :﴿ مِّنَ الطير ﴾ - ولموافقة الرسم لفظاً ومعنى. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٥ صـ ٢٤٥﴾

فصل


قال القرطبى :
﴿ فَأَنفُخُ فِيهِ ﴾ أي في الواحد منه أو منها أو في الطين فيكون طائراً.
وطائر وطَيْر مثل تاجر وتَجْر.
قال وَهْب (١) : كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتاً ليتميز فعل الخلق من فعل الله تعالى.
وقيل : لم يخلق غيرَ الخُفّاش لأنه أكمل الطير خلقاً ليكون أبلغ في القدرة، لأن لها ثَدْياً وأسناناً وأُذناً، وهي تحيض وتطهر وتلد.
______
(١) تقدم أن أخبار وهب بن منبه وكعب الأحبار يجب التوقف فى قبولها. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon