وقال الآلوسى :
﴿ وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ ﴾ ( ما ) في الموضعين موصولة، أو نكرة موصوفة والعائد محذوف أي تأكلونه وتدخرونه والظرف متعلق بما عنده وليس من باب التنازع، والادخار الخبء وأصل تدخرون تذتخرون بذال معجمة فتاء فأبدلت التاء ذالاً ثم أبدلت الذال دالاً وأدغمت، ومن العرب من يقلب التاء دالاً ويدغم، وقد كان هذا الإخبار بعد النبوة وإحيائه الموتى عليه السلام على ما في بعض الإخبار، وقيل : قبل، فقد أخرج ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : كان عيسى عليه السلام وهو غلام يلعب مع الصبيان يقول لأحدهم : تريد أن أخبرك ما خبأت لك أمك ؟ فيقول : نعم فيقول : خبأت لك كذا وكذا فيذهب الغلام منهم إلى أمه فيقول لها : أطعميني ما خبأت لي فتقول : وأي شيء خبأت لك ؟ فيقول : كذا وكذا فتقول : من أخبرك ؟ ا فيقول : عيسى ابن مريم فقالوا : والله لأن تركتم هؤلاء الصبيان مع عيسى ليفسدنهم فجمعوهم في بيت وأغلقوه عليهم فخرج عيسى يلتمسهم فلم يجدهم حتى سمع ضوضاهم في بيت فسأل عنهم فقال : ما هؤلاء أكان هؤلاء الصبيان ؟ قالوا : لا إنما هي قردة وخنازير قال : اللهم اجعلهم قردة وخنازير فكانوا كذلك، وذهب بعضهم أن ذلك كان بعد نزول المائدة وأيد بما أخرجه عبد الرزاق وغيره عن عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه في الآية أنه قال :﴿ وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ ﴾ من المائدة ﴿ وَمَا تَدَّخِرُونَ ﴾ منها، وكان أخذ عليهم في المائدة حين نزلت أن يأكلوا ولا يدخروا فادخروا وخانوا فعلوا قردة وخنازير، ويمكن أن يقال : إن كل ذلك قد وقع وعلى سائر التقادير فالمراد الأخبار بخصوصية هذين الأمرين كما يشعر به الظاهر، وقيل : المراد الإخبار بالمغيبات إلا أنه قد اقتصر على ذكر أمرين منها ولعل وجه تخصيص الإخبار بأحوالهم لتيقنهم بها فلا يبقى لهم شبهة، والسر في ذكر هذين الأمرين بخصوصهما أن غالب سعي الإنسان


الصفحة التالية
Icon